Monday, April 13, 2009

أُمَّة عاطلة عن العمل!

جواد البشيتي: 17 مليون عربي عاطل عن العمل "14 في المئة من حجم القوى العاملة العربية". وهذا "الرقم الرسمي"، والذي فيه يكمن "خلل معياري"، إنَّما يعني أنَّ البطالة العربية توشك أن تتخطى خطها الأحمر، الذي يُنْظَر إلى تخطيه على أنَّه قَفْزٌ بالسلم الأهلي، أو المجتمعي، وبالأمن والاستقرار الداخليين، إلى المجهول، أي إلى مخاطر يشق على المعنيين بدرئها توقُّعها الآن.واستفحال البطالة عربياً إنَّما يتحدَّى الحكومات العربية، وسائر المعنيين بمكافحتها، ودرء شرورها، أن يخلقوا، كل سنة، 5.5 مليون فرصة عمل، فإنْ هُمْ فشلوا "وهذا هو الاحتمال الواقعي" فإنَّ هذا الشرِّ الاجتماعي سينمو، أرقاماً ونِسَبَاً.. وعواقب.ولمكافحة هذا الشرِّ، وللوقاية من استفحاله وتفاقمه، عُقِدَت في عمَّان الدورة 36 لمؤتمر العمل العربي؛ وهو أوَّل تجمُّع عربي رسمي يُعْقَد للمساهمة في تنفيذ قرارات قمة الكويت الاقتصادية، وفي مقدَّمها قرار أن تكون السنة 2020 موعداً لقيام "السوق العربية المشترَكة"، التي في قيامها يكمن الحل، أو جُلُّ الحل، لمشكلة البطالة العربية، فـ"العمل العربي المشترَك" بعد تلك القمة يجب، بحسب المتفائلين من المجتمعين، أي معظمهم إنْ لم يكن كلهم، أن يختلف عمَّا كان عليه قبلها.والمجتمعون تحلُّوا بكثيرٍ من الروح الأُسَرِيَّة إذ تحدَّثوا عن "الحل" عبر تعاون وتضافر جهود أضلاع مثلَّثه الثلاثة وهم: الحكومات، وأرباب العمل، والعمال.مَنْ يسمع ذوي "الأرقام الرسمية" يتحدَّثون عن البطالة العربية يظن "أي يتوهم" أنَّ البطالة العربية لا تختلف نوعياً عن البطالة في دول الغرب، أو دول الشمال، فالعاطل عن العمل في هذا البلد العربي أو ذاك لا يختلف كثيراً، أو نوعياً، عن شقيقه في السويد مثلاً، ففي الظلام لا يمكن تمييز لون من لون!العاطل عن العمل عندنا إنَّما هو أيضاً ضحيةً من ضحايا دولته، التي تُظْهِر وتؤكِّد استشراء الفساد الاقتصادي والاجتماعي فيها، وعجزها الخَلْقي والوراثي والجيني عن أنْ تُخْرِج من أحشائها ما يسمَّى "نظام الحكم الرشيد"، من خلال موقفها من العاطلين عن العمل من مواطنيها، فنظام السوق الحرَّة ما أن يُقْنِع رب العمل هذا أو ذاك بضرورة أن يلقي ببعضٍ من عمَّاله في خارج "إقطاعيته" حتى تتكفَّل الدولة، التي كلَّما التهمت من لقمة عيش مواطنيها الفقراء مزيداً من الضرائب زادت جوعاً، بتوسيع وتعميق مأساتهم، فهي، وعلى كثرة مزاعمها وادِّعاءاتها المضادة، لا تُقدِّم لهم شيئاً يُذْكَر، أو يُعتدُّ به، من المساعدة المالية "رواتب مؤقَّتة للعاطلين مؤقَّتاً عن العمل" أو من المساعدة لهم في العثور على فرصة عمل جديدة مناسبة.إنَّها، أي الدولة، والحقُّ يُقال تُظْهِر في موقفها العملي من العاطلين عن العمل من مواطنيها انحيازاً طبقياً صريحاً ضدهم، وكأنَّها دولة لأرباب العمل فحسب.ونحن يجب ألاَّ نضرب صفحاً عن حقيقة أنَّ أرباب العمل الاقتصادي وأرباب العمل السياسي قد تداخلوا وامتزجوا تداخلاً وامتزاجاً لم نرَ لهما مثيلاً من قبل، فَمِنَ القطاع الخاص يأتون إلى الوزارة أو النيابة، ومن هذه أو تلك يعودون، أو يذهبون، إلى القطاع الخاص، مستثمرين مناصبهم العامة على خير وجه في إنشاء وتطوير شراكة مع القطاع الخاص "وبعضه أجنبي" تعود عليهم بالنفع والفائدة، حاضراً، ثمَّ مستقبلاً.إنَّ العاطل عن العمل هناك، أو في السويد مثلاً، يعيش اقتصادياً أفضل بكثير من "العامل النظامي" عندنا، ويلبِّي حاجاته المعيشية والاقتصادية الأساسية بما يُظْهِر "العامل النظامي" عندنا على أنَّه في وضع العاطل عن العمل "من الوجهة الواقعية، وبحسب هذا المقياس الاقتصادي والاجتماعي.. والإنساني الجيِّد".العاطل عن العمل هناك، ومهما ساء عيشه بحسب مقياسه هو، يظل محتفظاً بكثير من قوام وجوده الإنساني والحضاري؛ أمَّا عندنا فإنَّ آدميته تشرع تضمحل وتتلاشى، وتُحْدِق بها المخاطر من كل حدب وصوب، فشتَّان ما بين عاطل عن العمل يظل محتفظاً بآدميته، محافظاً عليها، وعاطل عن العمل يعاين، ويعاني، على مدار الساعة، اضمحلالها وتلاشيها.ونقول، أيضاً، ولو كره الطوباويون الأخلاقيون، وممتهنو الوعظ الأخلاقي، إنَّ العاطل عن العمل في مجتمعنا "الوحشي القلب، الإنساني القالب" هو الانهيار المتسارِع في "الجدار الأمني" للقيم الأخلاقية، فالعمل مع رفع مستوى عيش الإنسان هو الدرع الحامية لزهوره الأخلاقية؛ وكيف له أن يكون غير ذلك إذا ما كان الجوع طعاماً للكفر؟!وحتى لا نُتَّهم بـ"الذاتية" في خصومتنا لمرتكبي شر البطالة من أرباب العمل نقول إنَّ القوانين الموضوعية لنظام السوق الحرة في عالمنا العربي غير الحر تُرْغِم حتى الملائكة منهم على أن يصبحوا شياطين، فالبضاعة التي ينتِجون، ويسعون في تسويقها في الخارج، لا يمكنها أن تنمِّي وتزيد قدرتها التنافسية إلاَّ من خلال خفض، والإمعان في خفض، "القيمة الدولارية" للأجور، فهذا الخفض هو الدجاجة التي تبيض لأرباب العمل ذهباً.وخير وسيلة لخفض "القيمة الدولارية" لأجر العامل هي زيادة عدد المنتسبين إلى "جيش العاطلين عن العمل"، فكلَّما كثر عديد هذا الجيش تعرَّض أجر العامل النظامي لمزيدٍ من ضغوط المنافسة "بين هذا العامل وبين شقيقه العاطل عن العمل" فازداد استخذاءً، بالتالي، لتلك الضرورة الاقتصادية، أي لمصلحة رب العمل في خفض "الكلفة البشرية" لبضاعته.أنْ يُلْقى بالعامل في الشارع، ويُمْنَع عنه من وسائل تلبية حاجاته الأولية والأساسية كل ما هو دون الهواء، فهذا هو ما يُنْتِج مزيداً من "البطالة الصريحة الشفَّافة الكريستالية"؛ أمَّا أن تتوفَّر الدولة على التوظيف والتشغيل في أجهزتها ومؤسساتها، بما يخدم مصالح فئوية ضيقة، فهذا هو ما يُنْتِج مزيداً من "البطالة المُقَنَّعة"، فالدولة عندنا أصبحت شركة، أو مؤسَّسة، لـ"وظائف بلا أعمال".إنَّها، أي الدولة، ولأسباب ليس من أهمها المساهمة في تقليل حدة مشكلة البطالة، تمتصُّ، في أجهزتها ومؤسَّساتها، جزءاً من البطالة بهذه القطعة من الإسفنج، أي عَبْر تنمية "البطالة المُقَنَّعة".وإذا كان للدولة عندنا، أي في عالمنا العربي، من وظيفة اقتصادية فإنَّ هذه الوظيفة هي زيادة حجم الأيدي العاطلة عن العمل، وتنمية "البطالة المُقَنَّعة" بما يخدم المصالح البيروقراطية لأجهزتها ومؤسَّساتها، و"تطوير" البنية التحتية للاقتصاد، والبنية القانونية للاستثمار، بما يؤدِّي إلى هروب وهجرة مزيد من رؤوس الأموال، والأدمغة، والأيدي العاملة الماهرة، إلى الخارج، وإلى استقدام مزيدٍ من "الرقيق الأجنبي الأبيض" إلى منازلنا ومزارعنا ومؤسَّساتنا..وفي اقتصاد عربي يشذُّ عن ناموس الجاذبية الكونية لا عجب إنْ رأينا فيه "القوة الطاردة المركزية" تفوق أضعافاً مضاعفةً "القوة الجاذبة نحو المركز"، فالاقتصاد والتعليم عندنا يتضافران على طرد مزيدٍ من رؤوس أموالنا، وأدمغتنا، وأيدينا العاملة الماهرة إلى الخارج، فها نحن، وبعد زمن طويل قضيناه في "تصدير" المواد الأولية إلى الرأسمالية الصناعية الغربية، نتوسَّع في "التصدير"، فـ"نُصدِّر" إليها رؤوس الأموال، والأدمغة، والأيدي العاملة الماهرة، ولا نستورد منها إلاَّ بما يؤدِّي إلى مزيدٍ من هذا المسخ لحياتنا الاقتصادية.ذوو الخبرة والكفاءة والاختصاص من أبنائنا الذين أنفقوا كثيراً من المال والجهد والوقت في سبيل أن يصعدوا سُلَّم التعليم الجامعي حتى درجته العليا، وأن يجدوا، بالتالي، أمكنة لهم في سوق العمل، هم الآن، وبفضل خطط التنمية التي تتوفَّر دولهم على إعدادها وتنفيذها، في عداد الجيش الجرَّار للعاطلين عن العمل، فإمَّا أن يهجروا الوطن إلى "الوطن الثاني"، إذا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، وإمَّا أنْ يذهبوا إلى "مؤسَّسة الوظائف بلا أعمال"، أي إلى الدولة بأجهزتها ومؤسساتها المختلفة، لينعموا براتب متأتٍ من "عمل" لا يمتُّ بصلة إلى اختصاصهم اللعين.لقد ثَبُت لهم وتأكَّد أن لا خلاص للأمة بأسرها إلاَّ بالتأسيس لسوق عربية قومية مشترَكة، تؤسِّس للبنية الاقتصادية التحتية لـ"الاتحاد العربي"، إذا ما تواضعنا على اتِّخاذ "الاتحاد الأوربي" مثلاً أعلى لنا؛ ولكن كيف لهم أن يَخْرجوا من جلودهم، فهم نتاج مصالح لا تُنْتِج فيهم إلاَّ مزيداً من الميل إلى إنتاج، وإعادة إنتاج، كل ما هو مضاد لتلك "السوق"، ولهذا "الاتحاد"، وكأنَّ "الشعار" الذي يفتقر إلى قوى تصارع من أجله يمكن أن يصبح حقيقة واقعة، فـ"البطالة" عندنا إنَّما هي جزء من بطالة أوسع، فلدينا أيضاً عاطلون عن التفكير، وعن العمل السياسي والحزبي، وعن المعارضة، وعن الإصلاح إذا ما كان ممكناً، وعن الرغبة في صعود الجبال، يَنْظرون إلى أحوالهم فـ"يُعْجَبون"، فيَنْظُر غيرنا إلى ما يثير إعجابنا فيستعجبون!.

No comments: