Thursday, May 28, 2009

دول الخليج تتصارع على استقطاب المستعمرين

الكاتب أحمد عدنان الرمحي
الأربعاء, 27 مايو 2009 17:51
أحمد عدنان الرمحي -
يقوم الرئيس الفرنسي ساركوزي بافتتاح أول قاعدة بحرية عسكرية فرنسية دائمة في الخليج العربي بحضور ولي عهد أبو ظبي، وهي لن تكون أولى القواعد العسكرية الفرنسية في الخليج فحسب، بل أيضاً الوحيدة خارج أفريقيا، وستفتح الإمارات حجرات سيادتها للقاعدة العسكرية الدائمة في موقع إستراتيجي قرب مضيق هرمز، وستضم تلك القاعدة حوالي 400 إلي 500 عسكري من البحرية والقوة الجوية الفرنسية.

لا شك أن تلك الخطوة تأتي ضربةً للجار السعودي القوي المعتمد على الولايات المتحدة الأمريكية في مشروع (حمايته) من المخاطر التي أصبح من أبرزها النهوض الإيراني المجاور، خاصة بعد الاحتلال الأمريكي لعراق صدام حسين الذي كان له الفضل الأكبر في صد الخطر الإيراني. ولكن يبدو أن “على نفسها جنت براقش”. فدول الخليج من خلال تسهيل الغزو الأمريكي للعراق هي التي سمحت لإيران بالاقتراب منها وباقتحامها بأكثر من طريقة. وتأتي خطوة استقبال القاعدة الفرنسية لتعمق الهوة بين النظامين البتروليين المواليين للغرب، خاصة بعد انسحاب الإمارات من مشروع النقد الخليجي الموحد، الأمر بررته الإمارات باستبعادها من استضافة مقر البنك المركزي الخليجي، واختيار الرياض عوضاً عنها.

وكانت الإمارات قد سارت بعيداً في تأسيس تعاون عسكري مع فرنسا كما قامت بتوقيع صفقة سلاح ضخمة معها مؤخراً لتحتل فرنسا ما نسبته 43% من السلاح الإماراتي ولتوسع حصتها على حساب الند الأمريكي القوي. كما تتحدث بعض وسائل الإعلام عن توجه الإمارات لاختيار فرنسا لتبني مفاعلاً نووياً سلمياً بدلاً من المفاعل الأمريكي في حين يخشى مسؤولون أمريكيون أن يؤدي عرض بعد وسائل الإعلام لشريط مصور لأحد أفراد العائلة الحاكمة في الإمارات العربية المتحدة وهو يقوم بضرب وتعذيب رجل أعمال أفغاني إلى تعقيد جهود إدارة أوباما في الكونغرس من اجل إنشاء أول مشروع للطاقة النووية في الوطن العربي… وهو ما قد يؤدي لجر دول أخرى في الإقليم لاختيار المزود الفرنسي بدلاً من الأمريكي خاصة أن بناء المفاعل الفرنسي قد يشجع بوادر مماثلة في منطقة عربية أصبحت سوقاً تواقة لامتصاص تكنولوجيا وسلع كل راغب بإنعاش اقتصاده على حساب دول تبدد ثرواتها ومواردها في الاستهلاك بدلاً من التصنيع…



وقد يضيف الاتفاق النووي بين الجانبين بعداً آخر إلى مجالات التعاون والشراكة بين الإمارات وفرنسا، حيث تبدي باريس قدرًا كبيرًا من الاستعداد لمساعدة الإمارات في الحصول على طاقة نووية سلمية، فيما تعطي الإمارات هذا الأمر أهمية كبيرة في ظل نظرتها المستقبلية لمرحلة ما بعد النفط. فآبار دول الخليج العربي قد تبيض حسب بعض التقارير خلال 40 – 50 عاماً، بينما تتأخر العراق عنهم بسبب ضخامة احتياطياته النفطية والغازية من جهة، وبسبب توفير تلك الاحتياطيات قسراً جراء الحصار الرهيب الذي ضرب على العراق بعد حرب الخليج الأولى، مما يفسر تمسك الولايات المتحدة الأمريكية بالعراق بالرغم من الخسائر البشرية والمادية التي تلقتها من المقاومة العراقية .





وتمتد جذور العلاقة ما بين الإمارات وفرنسا إلي بداية السبعينات حيث عملت بعض الشركات الفرنسية مثل شركة “توتال” في أراضي الإمارات تحت اسم “الشركة الفرنسية للبترول”. وبعد إنشاء دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971م، قامت العلاقات الدبلوماسية بينها وبين فرنسا في العام نفسه. وفي آب 1972م قام الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان- رئيس الدولة - بزيارة إلى فرنسا، وبالإضافة إلي العلاقات السياسية القوية هناك علاقات اقتصادية وعسكرية وثقافية لا تقل قوة وتطورًا بين البلدين. وفي هذا الإطار، تشير الإحصاءات الاقتصادية المنشورة على موقع مركز الإمارات للدراسات والإعلام “أن عدد الشركات الفرنسية العاملة في الإمارات يصل إلي نحو 550 شركة، ويبلغ عدد الوكالات المسجلة لشركات فرنسية 5858 وكالة، كما أن حجم التبادل التجاري غير النفطي بين الإمارات العربية المتحدة وفرنسا ارتفع إلى 9.07 مليار درهم عام 2006م، بنسبة نمو بلغت نسبته 35% عن عام 2001م الذي بلغ فيه حجم التبادل التجاري 6.6 مليار درهم.”


وسجلت واردات الإمارات من فرنسا عام 2006م قرابة 8.7 مليار درهم، فيما بلغت الصادرات 97 مليون درهم، وتعد الإمارات واحدة من زبائن السلاح الفرنسي المهمين لتصل نسبة صادرات فرنسا من السلاح إلي الإمارات ما نسبته 41% من إجمالي صادرات السلاح الفرنسي، لتحتل المركز الأول بين مستوردي هذا السلاح، ولم يقدم التقرير تقديرا لقيمة واردات الإمارات من الأسلحة، وتشارك فرنسا بأجنحة كبيرة في معرض الدفاع الدولي “أيدكس” الذي يقام سنويًا في الإمارات.



وكشف تقرير سنوي أخر لمعهد ستوكهولم لدراسات السلام الدولي أن الإمارات برزت بين الدول العربية باحتلالها موقعا متقدماً بين أكبر خمس دول مستوردة للسلاح في العالم خلال عام 2007، الذي شهد قفزة في مبيعات السلاح العالمية. وقد جاء ترتيب أكبر خمسة مستوردين للأسلحة على صعيد عالمي خلال الفترة 2004 – 2008 على النحو التالي: الصين، الأولى عالمياً، بنسبة تصل إلي 11% من إجمالي واردات الأسلحة العالمية. والهند هي الثانية عالمياً، بنسبة بلغت7%، ودولة الإمارات العربية المتحدة الثالثة عالمياً، بنسبة وصلت 6%.



المشهد اليوم يلقي الضوء على الوضع المأزوم الذي يشتد ويتأزم بمحاولة دول الخليج استجداء من يحامي على عروشها، وأحلاف دول الخليج تتغير بشكل واضح بتغير المصالح، فبعد أن شهدنا انقساماً جلياً بين محوري (الممانعة) و(الاعتدال)، أي بين الموقفين السعودي والقطري في أزمة القمم التي أثيرت مطلع العام أبان العدوان الصهيوني على غزة، بدأ الانقسام يتضح أكثر بين دول محور الاعتدال أيضاً الذي يفترض أن يضم الإمارات والسعودية، فيما ترتعد دول أصغر وأقل حجماً وقدرة مالية كالبحرين وعمان من مخاوف نتائج يمكن أن تحدث في حال نشوء حرب جديدة في المنطقة.



القوى الاستعمارية تأتي من جديد لتتصارع على أراضي العرب ويختبئ العربان كلٌ وراء متراس أشتراه ظاناً كل الظن أنه حليف إستراتيجي سيضمن مصالحه، ألا أن تلك المصالح هي بالتأكيد لحظية وإذا استمرت هذه الحال، وستستمر، لن يمضي الكثير من الوقت قبل عودة وطننا العربي لدياجير الظلام الاستعماري العسكري من جديد

No comments: