Thursday, June 18, 2009

الاجتماع والائتلاف خير، ولكن علام نجتمع؟

أسس الائتلاف والاجتماع
1. الاتفاق على الثوابت والمسلمات
2. تحديد مجالات العمل
3. الطاعة لا تكون إلا في المعروف
4. أن لا يضم التجمع أحداً من أصحاب البدع الكفرية
5. أن يتولى القيادة علماء شرعيون
6. الاقتصار على أهل السنة
عوامل تؤدي إلى التفرق
الحذر من السعي لجمع المتناقضات

ما من عاقل إلا وهو قلق وحزين للتفرق والتشرذم الذي أصاب الأمة الإسلامية، وأدى إلى ضعفها، وهوانها، وتكالب الأمم الكافرة عليها، وإلا وهو يسعى لتضييق دائرة الخلاف ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، لأن التخلص منه كلياً أمر لا سبيل إليه البتة بحكم الله: "وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ"1، وبحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة"، قيل: ما الواحدة؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي اليوم"2، "وسألتُ ربي أن لا يجعل بأسهم بينهم شديد فأبى".3
بان من ذلك أن المطلوب من المسلم أمران، هما:
1. أن يعتصم هو بالكتاب، والسنة، وما أجمعت عليه الأمة، ولا يحيد عن ذلك.
2. أن يسعى لجمع الأمة وتوحيدها على هذا الأساس.
وهناك فرق كبير بين أمرين، يخلط بينهما كثير من النـاس، سيما العاملون في مجال الدعوة، هما:
1. الانتساب إلى جماعة مخالفة عقدياً، ومنهجياً، وسلوكياً لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام.
2. التنسيق والتعاون مع كافة فرق أهل القبلة من غير استثناء عند نزول الكوارث، وحلول الفتن، وغزو ديار الإسلام، مهما كانت درجة التزام من حلَّ بهم هذا البلاء بالإسلام، كما حدث ذلك قديماً عندما هجم التتار على دار الإسلام، حيث قام العلماء الربانيون في مقدمتهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلاميذه في حث جميع طوائف المسلمين حكاماً ومحكومين للذب عن الدين ودياره وحريمه.
وكما حدث في هذا العصر عندما غزا السوفيت أفغانستان، وتآمر الصرب على المسلمين في البوسنة والهرسك، وهرع البعض لنصرة إخوانهم في الشيشان، وكذلك عندما شرعت أمريكا في حربها الصليبية، بدءاً بأفغانستان والعراق، وهبَّ من وفقه الله لنصرة الإسلام.
فالانتساب في الحالة الأولى لا يحل، لأن الانتساب إلى الجماعة التي تقوم على المنهج الصحيح من المباحات، فكيف إذا كان هناك عدد من الانحرافات؟
أما في الحالة الثانية، حال التنسيق والتعاون ودفع الصائل، قد يصل الأمر فيه إلى درجة الوجوب لمن تعين عليهم ذلك ممن يليهم.
وثمة أمر آخر، وهو أن هناك ساحات ليست بالقليلة يباح الاختلاف غير المصَاحَب بالبغي فيها، وهي دائرة خلاف التنوع في الفروع، كيف وقد خالف ابن مسعود عمر رضي الله عنهما في مائة مسألة من ذلك، ومع ذلك كان حكم عمر على ابن مسعود بأنه: "كنيِّف ملئ علماً"، وقال ابن مسعود عند استشهاد عمر: "لم يصب الإسلام بمثل مصيبته في عمر".
وفي هذا الإطار يمكن أن تحمل المقولة التي قالها الشيخ محمد رشيد رضا وتبناها الشيخ حسن البنا رحمهما الله: "دعونا نجتمع على ما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه"، هذا إذا لم يتعد الاختلاف حدوده السائغة، أما إذا تعداه إلى خلاف التضاد فقد حرم الانتساب والاجتماع معه.
فهذه المقولة لا يمكن أن تطلق على علاتها، إذ لابد أن تقيد بهذا القيد، وإلا فإنها تأتي بالطوام العظام، لأنه لا يملك أحد أن يعذر أحداً أويأذن له في الممارسات الشركية، أوفي تأويل صفات الرب سبحانه وتعالى، أوأن معاني هذه الصفات غير معقولة ولم يتعبدنا الله بها؟
لا يملك هذا إلا صاحب الشريعة، فما أذن وعذر فيه صاحب الشريعة حقَّ لنا أن نأذن ونعذر فيه، وما لم يأذن ويعذر فيه فلا يحل لأحد أن يتجرأ عليه.
ã
أسس الائتلاف والاجتماع
للائتلاف، والاجتماع، والانتساب للعمل الإسلامي أركان وأسس ينبغي مراعاتها:
1. الاتفاق على الثوابت والمسلمات
حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصف أبرز معالم الفرقة الناجية المنصورة التي يتحتم توفرها في كل مسلم يريد النجاة يوم القيامة: "ما أنا عليه وأصحابي اليوم"، هذه الكلمة الجامعة المانعة، فما لم يكن في ذلك اليوم ديناً فلن يكون اليوم ديناً.
ما أيسر وأسهل الإقرار بذلك من الناحية النظرية، وما أصعب وأشق الالتزام بذلك عملياً، في العقيدة، والتصور، والمنهج، والعبادة، والسلوك، والمعاملات.
هذا هو الركن الأساس للاجتماع والائتلاف، فإذا فقِد أوأخِلَّ به فلا قيمة لأي أساس أخر، ومن ثم يحرم الاجتماع والانتساب مع فقده كلياً أوجزئياً، فجل التفرق والتمزق الذي أصاب الجماعات العاملة في مجال الدعوة مرده إلى فقدان ذلك أوالإخلال به.
ã
2. تحديد مجالات العمل
لا بد من تحديد المجالات التي يود العمل فيها، وتستوجب التعاون، إذ عدم الاتفاق على ذلك بصورة قاطعة معول من معاول التفرق بعد اجتماع.
من أخطر المجالات التي ينبغي أن تكون الرؤية فيها واضحة وجلية:
1. الجانب السياسي: إذ تعتبر السياسة في هذا العصر أول عامل للتفرق والتشتت، لكثرة مزالقها، وقذارة أساليبها.
2. جانب المرأة: لقد حدد الإسلام مجال عمل المرأة وقصره على البيت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والمرأة راعية على بيت زوجها و ولده، ومسؤولة عن رعيتها".4
أما منح المرأة حقاً لم يمنحه لها الشارع الكريم، ومطالبتها بأن تزاحم الرجل، وتتمنى ما فضل الله به الرجال عليها، وتنخدع بدعايات وأكاذيب دعاة إفساد المرأة وإخراجها من بيتها، فيما يعرف بالحقوق السياسية، فهذا عين المخالفة لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام.
ã
3. الطاعة لا تكون إلا في المعروف
من المسلمات في هذا الدين أن الطاعة فيه لكل من وجبت عليك طاعته بالمعروف، فلا مجال لطاعة أحد قائد جماعة أوغيره في غير طاعة الله.
ã
4. أن لا يضم التجمع أحداً من أصحاب البدع الكفرية
هذا أيضاً من المسلمات في هذا الدين، فالتجمع الذي يضم بعض أصحاب البدع الكفرية ومن باب أولى القادة، دعك عن الكفار، لا يحل لأحد الانتساب إليه، أوالتنسيق معه.
ã
5. أن يتولى القيادة علماء شرعيون
لا يحل لأحد أن يسعى لتجمع أوينتسب لجماعة يتولى قيادتها غير العلماء الشرعيين، سيما العلمانيين، فلا مجال لتصدر هؤلاء، بل ينبغي الفرار من هذا الصنف أكثر من الفرار من السباع الضارية.
ã
6. الاقتصار على أهل السنة
هذا الشرط لازم من الشرط الأول، وهو الكون على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام.
ã
عوامل تؤدي إلى التفرق
في غمرة الحرص على التجميع ولمِّ الصف يغفل البعض عن أمور مهمة يجب الحذر منها، لأنها عوامل هدم، نشير إلى أخطرها:
1. الحرص على الكثرة من غير التفات إلى الكيف.
2. تحكيم العواطف على العقل.
3. الحذر من التعامل بردود الأفعال.
4. أن لا يكون التجمع غاية في ذاته، وإنما يكون وسيلة لتحقيق غايات وأهداف مشروعة.
ã
الحذر من السعي لجمع المتناقضات
في بعض الأحيان قد يكون التمايز والانفصال من الجماعة المعينة خيراً من البقاء فيها، فالطلاق بغيض وكريه إلى النفوس، ولكن شرعه الله في بعض المواطن التي يستحيل معها البقاء والاستمرار، ولهذا جاء في الأثر: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق"5، فآخر العلاج الكي، وما لا يدرك كله لا يترك جله.
فالسعي للتجمع ينبغي أن يكون بين الذين تجمعهم أرضية مشتركة، وأن يكون هناك توافق، خاصة في مجال العقيدة، والتصور، والمنهج، في دائرة أهل السنة الرحيبة.
السعي للتوفيق بين فصائل الجماعة الواحدة إذا كان بينها تباين واضح واختلاف كبير، أوكانت هذه الفصائل بينها جامع مشترك من المخالفات العقدية لا يحل.
فمثلاً إذا كان يتزعم فصيلاً من تلك الفصائل إمام من أئمة البدع فلا يحل السعي للاجتماع بهذا الفصيل، سيما لو كان يغلب على الظن أن يتولى هذا المبتدع قيادة الجماعة إذا اجتمعت لا قدر الله، فالسعي لهذا غير مشكور، والساعي مأزور غير مأجور.
ولهذا لا ينبغي السعي للاجتماع والائتلاف لمجرد التجمع وتكثير "الكيمان"، من غير أن يكون هناك محاولات جادة لمراجعة الأسس والقواعد التي ينبغي أن تقوم عليها أي جماعة من الجماعات التي تريد العمل للإسلام، وبالطبع لا يدخل في ذلك أسباب الخلافات الشخصية المتمثلة في الهيمنة، والسيطرة، والحرص على القيادة والزعامة.
ومن باب أولى وبالأحرى السعي للتوفيق والجمع بين المتناقضين: السنة والشيعة، وقد سعي لذلك من قبل، وكونت لجان ومكاتب للإشراف على ذلك، ولكن دون جدوى، لأن الفوارق بين السنة والشيعة فوارق عقدية كبيرة.
فلا فائدة ترجى ولا ثمرة تجنى من هذه المساعي مع إصرار الرافضة على بعض العقائد الكفرية، نحو:
1. تضليلهم وتكفيرهم لخيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم ثلاثة من الخلفاء الراشدين.
2. رميهم لعائشة بالعظائم التي برأها الله منها.
3. زعمهم أن لهم قرآناً يساوي ثلاثة أضعاف قرآننا، ويعرفونه بقرآن فاطمة الزهراء.
4. خذلانهم لأهل السنة قديماً وحديثاً، وتعاونهم مع الكفار للقضاء عليهم، كما صنع ذلك الرافضي ابن العلقمي مع التتار، وكما يصنع أحفاده اليوم في العراق، حيث كانوا المعين الأساس لضرب الإسلام فيه.
هذا على سبيل المثال لا الحصر، فكيف يمكن الجمع بين أولئك القوم وبين أهل السنة مع هذه المخالفات العظيمة؟!
ومن باب أولى تلك الدعوة الكفرية التي يرفعها البعض للتوحيد أوالتقارب بين الأديان، تحت مسميات مختلفة ذات مدلول واحد.
الذي ينبغي أن يجدَّ فيه دعاة التوحيد قبل العمل على تجميع أهل السنة خاصة، والمسلمين عامة، ويوضحوه ويجلُّوه تجلية كاملة، علام يكون الاتفاق والاجتماع؟! لأن هذا هو الخطوة الأولى والبداية الصحيحة للتجمع المثمر المفيد، ويؤمن بعد الله من حدوث التفرق والانقسامات فيما بعد.
والله أسأل أن يؤلف بين قلوب المسلمين، ويهديهم سبل الرشاد، ويريهم الحق حقاً ويرزقهم اتباعه، والباطل باطلاً ويلهمهم اجتنابه.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، الذي أكمل الله على يديه الدين، وأتم به النعمة، وختم به الرسالة والنبوة، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين.

No comments: