Wednesday, August 19, 2009

مَن السبب: القاهرة شِجار في شِجار

الشجارات في الطرقات تعكس أزمة الإنسان المصري الذي فقد رحابة صدره في تجاوز التافه من الأمور.
ميدل ايست اونلاينالقاهرة – من محمد الحمامصي
في صيف القاهرة .. قد تستيقظ من نومك فجرا على شجار بين جارين أحدهما أوقف سيارته مكانة سيارة الآخر، فتسمع ما لا يمكن أن تتصوره من شتائم، وقد يتطور الأمر إلى التلاحم بالأيدي، والأمر كله لا يعدو "وقف سيارة"، وفي الصباح بينما في طريقك إلى عملك في وسيلة من وسائل المواصلات تفاجأ بشجار بين قاطع التذاكر وأحد الركاب، لأن هذا الأخير رفض أن يأخذ الباقي نقود "فضية" ويريدها ورقية، فتخرج الحافلة عن خط سيرها إلى أقرب مركز شرطة لفض النزاع، لكن جمهور الركاب يتدخلون وقد يتبرع أحدهم حلا للموقف إلى تبدل العملة الفضية بورقية، وقد تكون مارا في الطريق وتصطدم بعراك بين سيدتين لا يمكن أن يتصور المرء سوء الألفاظ وابتذالها التي تصدر عنهما، على الرغم من ملابسهما الحديثة، وقد يقودك حظك العاثر مصادفة لتجلس على مقهى فتسمع من الألفاظ وتشاهد من العراك ما لا تتخيله، ألفاظ سباب قبيحة يخجل المرء من سماعها فما بالك من التلفظ بها، أو يحدث شجار بين شابين يلعبان (الطاولي) أو الشطرنج فترى كيف تمزق الملابس وتخلع الأحذية، ويمتلئ المقهى والشارع بالمتفرجين ولا أحد يتدخل لفض هذا الشجار.
والأخطر من ذلك كله هو الشتائم التي يتلفظها الشباب في الأندية والأماكن العامة كالحدائق والمنتزهات على سبيل المزاح والضحك، وهي ألفاظ يعاقب علىها القانون، لأنها تجرح وتخدش الشعور العام خاصة الجنسي منها، ومع ذلك لا أحد يلتفت أو يتدخل لوقفها مخافة الشجار مع هذا الشاب أو ذاك فيتعرض للضرب أو السب الحقيقي.
وعلى هذا المنوال يزدحم الشارع المصري في الصيف بكم من العراكات لا أسباب حقيقة وراءها، ومن ثم لا معنى لها إلا أنها تقول أن هناك أزمة لدى الإنسان المصري، أنه لم يعد لديه رحابة الصدر التي تمكنه من الحفاظ على القيم والأخلاق وتجاوز التافه من الأمور.
ومما يؤسف له أن يفسر التجاوز الأخلاقي والقيمي، والعنف اللفظي والمادي بالظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها الناس، لكن وعلى أية حال لنرى كيف يفسر هؤلاء الناس لهذه الأخلاق.
رجاء سليم "موظفة بإحدى الوزرات" قالت أنها تكاد تصعق حين تسمع الألفاظ التي يتبادلها الزملاء في العمل والجيران في البيوت، وذلك لمجرد خلاف بسيط ، و أنها لا ترى سببا وراء هذا العنف والشجار، لكن أرجح أن تكون الأزمات التي نمر بها وراء ذلك، الكثير من البيوت لديها شباب لا يجد عملا وفتيات لا يجدن عرسانا، وأم وأب ترهقهما النفقات، كل ذلك يجعل الناس متوترة وقلقة ومشحونة، وهذا كفيل بأن يجعل المرء ينفجر غضبا عندما يحتك به أحدهم فيمسك به لأتفه الأسباب.
ويرى محمود حسين ـ مدير عام مدارس خاصة ـ أن المجتمع إليوم فقد الكثير من الأخلاقيات، الشاب من هؤلاء لا يراعي سنا، يشتم ويسب رجلا في عمر والده لمجرد أن قال له هذا الرجل: عيب، أو طلب منه أن يفسح له مكانا في المترو، أو أوقف سيارته أمام دكانه، ويقول: "مرة جاءني أبو طفل عندي في المدرسة في الصف الرابع الابتدائي، كل زملائه يشكون منه لأنه يتهجم علىهم بالضرب وبالألفاظ القبيحة، فاستدعيت الوالد الذي جاء ليرفع صوته على في مكتبي وأمام المدرسين ويهددني، بل كاد يتطاول على بالضرب. وذلك لأننا عاقبنا ابنه بالفصل لمدة أسبوع، طالبناه ـ هو أي الوالد ـ بأن يراعي ابنه ويعلمه السلوك الصحيح في التعامل مع زملائه وإلا فإننا سنفصله نهائيا".
ويضيف "إنني أندهش من أن الكبار يساعدون أطفالهم على التطاول على الآخرين ويدفعونهم على السب والشتم والضرب، دون وازع من أخلاق أو سلوك حميد، وفي النهاية تكون الطامة الكبرى أن هذا الطفل يتحول في المستقبل إلى إنسان سيئ الخلق وضار بمجتمعه".
ويقول مصطفى حمدي أنه حتى المساجد أصابها ما أصاب الشارع من شجار وزعيق، ويؤكد: "تخيل في صلاة الجمعة أب يأتي بأبنائه، فيقوم أبناؤه بإحداث هرج ومرج في المسجد، فإذا توجهت إليهم ونهرتهم أو طردتهم خارج المسجد، ينبري هذا الأب غاضبا والشيخ يخطب على المنبر، ويرفع صوته ويتهجم على من نهر أو طرد أبناءه، ولا أعرف ماذا جرى للناس، إليس للمسجد حرمته وللصلاة حرمتها، ألا ينبغي لهذا الأب أن يؤدب أبناءه ويعلمهم أن للمسجد بيت الله وللصلاة قدسيتها وأنهم ينبغي عليهم احترام ذلك، إن المصيبة أن هؤلاء الأبناء ليسوا صغارا للدرجة التي لا تعتب عليهم بل هم في عمر الثانية عشر والخامسة عشر".
موقف آخر يحكيه الشيخ مصطفى عن هؤلاء الذين يتعمدون إيقاف سياراتهم أمام باب المسجد، فإذا طالبت أحدهم بأن يبتعد بسيارته عن باب المسجد ربما رد عليك: "هو بيت أبوك، هكذا بمنتهي القسوة اللفظية، الأمر الذي يجعلني شخصيا أتجنب كل هذه الأمور، لتبقى على أخطائها بدلا من أن أشتم أو أضرب من هذا أو ذاك على آخر الزمن!".
وتؤكد الباحثة الاجتماعية رحاب علي أن الحياة في زحام مدينة مختنقة كالقاهرة واشتداد المنافسة على فرص العمل وازدياد الاستهلاك مع ضعف الموارد وانخفاض الدخول وتراكم الديون على الأفراد وعجزهم عن تلبية متطلباتهم الأساسية، وضعف الروابط الأسرية، كلها مجتمعة تعد المنبع الذي ينبع منه نهر العنف اللفظي والأخلاقي.
ويقول الدكتور رضا السيد مدرس علم الاجتماع‏ "أنه مما لاشك فيه أن المجتمع المصري ومنذ فترة ليست بالقصيرة،‏ شاهد ثقافة جديدة من نوعها وهي ثقافة العنف التي نجدها في حياتنا إلىومية بالملاعب والأندية وفي الأسواق والأماكن والوسائل العامة والأخطر من هذا كله في البيت المصري‏،‏ الذي عرف عنه العلاقات الحميمة بين أفراد أسرته، فأصبحت تسوده حالة من العنف اللفظي والمادي حتى في شعورهم‏".‏
وترجع هذه الظاهرة إلى قلة الثقافة الدينية وانتشارها بصورة غير طبيعية، في ظل تزايد الضغوط الاجتماعية والمادية التي ساعدت على إفراز هذه الظاهرة وأهمها مشكله البطالة، ‏‏فضلا عن عدم اعتناء الأسر بتربية أبنائها والحرص على تهذيب أخلاقهم منذ الطفولة.
http://www.middle-east-online.com

No comments: