Thursday, March 4, 2010

بسم الله الرحمن الرحيم
المنزل يحترق .. ؟! هذا صحيح .. ! انعقد لسانك وأنت تتابع تصاعد اللهب ..؟ يحق لك ذلك والله .. ليس من الطبيعي أن نشاهد خلال يومين فقط 22 مقالاً، في ستة صحف سعودية كبرى، شارك فيها ثلاثة رؤساء تحرير؛ تنتهي بإقالة فقيه من منصبه ! واضح أن تلك اليد التي رفعت السماعة على رؤساء التحرير؛ كانت يدها الأخرى تكتب خطاب الإقالة! إنها "اليد السرية" التي صارت تلتقي عندها خيوط اللعبة السعودية! إنها اليد التي زينت لرأس الهرم أن يقيل فقيهاً من منصبه لأنه قال أن "اختلاط الجنسين في التعليم غير طيب" .. في الوقت الذي زينت لرأس الهرم أن يأتي برجل قال أن "الله والشيطان وجهان لعملة واحدة" ويضعه مستشاراً مقرباً ! مفارقة تكاد تخنقك .. أعرف ذلك .. وقد خنقتني قبلك ! هذه الجائحة الدينية لاتحمل دروساً فقط .. بل تحمل صفعات ! أول صفعة حملها "زلزال ثول" إلى أولئك الفضلاء السذج الذين أرهقونا بكثرة تردادهم بأن "التيارات الفكرية في الوطن تحتاج منا إلى لغة هادئة وسعة أفق وستتقبل النصيحة فوراً" .. إلى أولئك الذين ملؤوا حلقاتهم الفضائية بكثرة لمز فقهاء ودعاة أهل السنة بأنهم يفتقدون الخطاب المتوازن واللغة الهادئة والبعد عن الانفعال .. إلى أولئك الذين سودوا عرائض الإدانة للمحتسبين بأن سوء أسلوبهم هو المسؤول عن تفشي المنكرات ! تفضلوا ياسادة الهدوء وعباقرة الاتزان ومفتوقي الأفق .. تفضلوا ماذا نفع هدوء الشثري ولغته الوادعة التي امتلأت بمديح الملك وإطرائه بما يفوق الإشارة إلى المأخذ الشرعي ؟! الشيخ سعد استفتح نصيحته بشكر الملك على الجامعة أصلاً فقال: (الملك عبدالله يشكر على هذه الخطوة المباركة التي لعلها إن شاء الله تكون من أسباب الخير ومن أسباب رفعة درجة الأمة) وتوسط نصيحته بعبارات الهيام بالملك عبدالله فقال (وأنا ما تحدثت بمثل هذا إلا من المحبة العظيمة لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله الذي له منزلة عالية في القلوب لما قدمه للأمة من خدمات عظيمة جليلة شكرها كل مؤمن في مشارق الأرض ومغاربه) وهل تعلم بم ختم نصيحته؟ ختمها بدعوة الشباب إلى المشاركة في الجامعة باعتباره عبادة! فقال: (وفي هذا المقام فإني أحث كل من كان لديه قدرة على المساهمة في هذه الجامعة أن يحتسب الأجر في المساهمة فيها سواء كان بتقديم علم، أو بتقديم خدمات فنية أو إدارية، أو غير ذلك، فإن هذا من القربات، لأن الجامعة أنشئت على هدف نبيل، ولذلك السعي للمساهمة فيها بكل ما نستطيع قربة). قولوا لي بالله عليكم .. بأي شئ دفعت عن الشيخ سعد كل هذه النياشين من الإطراء والمديح واللغة المتحفظة السكونية .. نصيحة تُبدأ وتُختم بشكر المشروع الذي تضمن المنكر، واعتبار المشاركة فيه قربة .. ومع ذلك يركل الناصح خارج وظيفته! هل تصدق أنني أمسكت نصيحة الشيخ سعد .. وقلت في نفسي لو أراد أن يكون أكثر هدوءاً وإيجابية فمالذي يمكن أن يقوله؟! لاشئ فعلاً .. لقد استنفد الشيخ سعد المنفعة الحدية للهدوء والاتزان والإيجابية .. ومع ذلك علق على مشنقة "بناء على طلبه" ! إلى أولئك الذين لازالوا يتلذذون بفلاشات صورهم في القنوات الفضائية ويتوهمون –أو يوهمون أنفسهم- أن المشكلة في قضية اللغة والهدوء والبعد عن الانفعال .. أقول لهم "انج سعد فقد هلك سعيد" .. سيأتيكم الدور بعد أن يستنفدوا الغرض منكم في تقويض خطوط الدفاع الدعوي الأولى .. أهميتكم بالنسبة لهم ليست لرفع مستوى التدين بل لتخفيض مستوى التدين في الناس .. ولذلك كلما ارتفع الهم الرسالي في الشباب زادت أهميتكم وكلما ذبل الهم الرسالي في الشباب نقصت أهميتكم .. لأنهم يستخدمونكم كخراطيم مياه لتفريق المحتسبين فقط .. فإن واصلتم مسلسل التنازلات بقيتم .. وإن توقفتم يوماً لأجل نص شرعي فستكتشفون عشرين مقالاً تشهيرياً تهبط فجأة في يومين لتنتهي الأزمة بإنهاء عقدكم مع القناة! وستقولون حينها ولات ساعة مندم "أكلت يوم أكل الثور الأبيض" ! ماجرى لم يكن درساً نظرياً .. ولم يكن حتى وسيلة إيضاح .. كان عملية عسكرية فعلية بالذخيرة الحية .. لتفهموا –إن كنتم تريدون الفهم- أن هذا التيار الذي يمسك بالاعلام ليست قضيته "أسلوب الدعوة" .. ولا شعارات المواطنة والتسامح وعدم الاقصاء .. هذه باختصار "عصابة" لديها مشروع واضح في "تهتيك البنية الأخلاقية للفتاة السعودية" لتكون كتلك الفتاة التي يشاهدونها كل سنة في مصائفهم! ومن وقف في طريق مشروعهم هذا فسيستخدمون ضده كل وسيلة إبادة ممكنة .. بدأً من التشهير الإعلامي، ومروراً بالفصل من الوظيفة، وانتهاءً بتحريض جموس عليشة عبر افتعال ارتباطك بفزاعة الإرهاب! حملات إعلامية مكثفة لم تتوقف .. تستهدف دهس وإهانة كل من يرعى نشاطاً دينياً..هيئات الحسبة، القضاء الشرعي، الجامعات الاسلامية، توعية الجاليات، حلقات القرآن، مشروعات تفطير الصائمين، الخ الخستقول لي: ولكنهم متأولون ويعتقدون أن الشيخ سعد الشثري مخطئ في إنكاره الاختلاط، أقول لك: ومن قال لك أن ثمة مجرم على وجه الأرض لايخلق لنفسه مبررات أخلاقية لينفذ فاحشته؟! المهم أن نستوعب جيداً أن هذه الكارثة ليست قنبلة معزولة في الهواء .. ولكنها خيط واحد في شبكة خيوط لايزال حاكتها يواصلون العقد .. مهندسو "زلزال ثول" يريدون تحقيق أمور أبعد بكثير من مجرد فرض اختلاط الجنسين .. هذه الحادثة يراد بها "إرهاب المفتين" .. قُل مانريده وإلا كان مصيرك مصير اللحيدان والشثري! ومما لفت نظري أن ثمة رموز من أصحاب التجديد والانفتاح الديني فجروا آذاننا بقضية نقد أخطاء الاسلاميين، وإذا وقع من أحد الإسلاميين خطأ انهالت عليهم الفتوحات والإلهامات والعبارات الرنانة .. وتحركت توربينات مواقعهم الالكترونية لاستكتاب من هب ودب .. وفي هذه الحادثة ماسمعنا لهم إلا صمت القبور .. ولازالت مواقعهم الالكترونية تتابع آخر أخبار الحوثيين! وكأن شيئاً بالجوار لم يقع! حين نراهم أشداء على الإسلاميين وخُرساً في معركة الفضيلة وإرهاب المفتين .. فكيف يتوقعون أن نصدقهم بأن مقصودهم فعلاً العدل والإنصاف واتباع النص؟! وثمة شريحة أخرى من أصحاب "منهج المنتصف بين المختلفين" اعتادت في كل قضية رأي عام أن تخرج بمقالة تدين فيها الإسلاميين والليبراليين على حد سواء، كتظاهر بارد بالحياد والاستقلال، وفي هذه الحادثة لم يجدوا ماينتقدون به الفقهاء والدعاة الذين أنكروا، فلجؤوا إلى الكذب! نعم لجؤوا إلى الكذب الصريح .. صاروا يقولون (مشكلة الاسلاميين أنهم أنكروا الاختلاط في الجامعة، وغيبوا المنجز العلمي فيها) مع أنهم يعلمون في قرارة أنفسهم بالقدر الكافي جداً أنه لايوجد فقيه ولاداعية واحد من أهل السنة الذين تحدثوا عن الموضوع إلا وقدم بين يدي نصيحته شكر المنجز العلمي في الجامعة .. ألا ما أصدق بشار بن برد حين قال (لي حيلة فيمن ينم، وليس في الكذاب حيلة) .. وثمة شريحة أخرى ممن تحدثت عن الموضوع لم تتطرق إلى رذيلة اختلاط الجنسين في التعليم من قريب ولا من بعيد .. وإنما كل حديثهم عن أنه "يجب على الليبراليين أن لايقصوا المخالف" ! هكذا فقط ! الكلام عن "إقصاء الليبراليين للمخالف" يصلح في مقام الإلزام بتناقض الليبراليين مع مبادئهم (برغم أنه صار موضوع محترق لايحتاج لإثبات!) .. لكن الأساس في القضية هو الاستناد إلى خطورة رذيلة اختلاط الجنسين في التعليم ! وسواء أقصى الليبراليون مخالفهم أم كرموه هذا كله لايعنينا .. فما حملنا هماً لإقصائهم حتى نبحث عن إكرامهم .. يعنينا فعلاً وأد شرارة امتزاج الجنسين في التعليم ..! ولا أكتمك عزيزي أنني حين أقرأ لمن يختصر القضية في "مشكلة الإقصاء" فإنه يدور في خلدي سؤال : حسناً .. افترض أنهم لم يقصوا الشيخ سعد .. بل صرفوا له راتب شهر كمكافأة على وجهة نظره .. لكن مشروع الاختلاط ماضٍ إلى نهايته فهل انتهت مشكلتك ؟! وهل هذا غاية ماتسعى إليه؟! لست أدري والله ماذا يدور في ذهن هؤلاء الفضلاء الذين يختصرون الكارثة في مشكلة الاقصاء؟! وثمة طائفة أخرى من الكتبة استبشعوا فعلاً غرس جامعة في خاصرة الحرمين بمواصفات الثقافة الاجتماعية الأمريكية .. لكن هذه الشريحة اعتادت أنها لاتخاطب الليبراليين بشئ إلا عبر التوسل بشتم المتدينين .. فهي تشعر في كل خطاب توجهه إلى الليبراليين أنها مطالبة بقربان تقدمه بين يدي خطابها .. وهذا القربان كالعادة "لمز المطاوعة" .. ولذلك حين أرادت أن تتحدث عن منكرات ثول استندت إلى خطر "ردة فعل المتطرفين" ! لاحول ولاقوة إلا بالله! يرون منكراً فظيعاً .. ومع ذلك لاينطلقون من قال الله وقال رسول الله، بل يجعلون منطلقهم الذي يستندون إليه "خطر ردة فعل المتطرفين" وأن الاختلاط الحاصل قد يتسبب في استفزاز المتدينين البسطاء، ونحو ذلك، مع بقية الخطب المكرورة حول الشباب الهائج، والشباب المتحمس، الخ .. أي تدسس وانكسار أكثر من هذا التدسس؟! وثمة طائفة أخرى من المتابعين أعياهم الإرهاق من عبء الدعوة والتغيير حتى باتوا لايرفعون رأساً بأي منكر شرعي يقع، ويدسون رؤوسهم في الرمال بأن يرددوا ذلك الشعار السرديني "هذه مجرد صراع تيارات وليست قضية حقيقية" ! وهؤلاء لو وقع أزمة منكر ربوي، أو منكر عقدي، أو منكر أخلاقي، الخ تجدهم يرددون نفس الجملة "هذه مجرد صراعات" ! يعني لست أدري ماذا يريدون؟! هل سيتحركون فقط إذا وقع منكر لا أنصار له ولامناوئين ؟! هذه سنة التاريخ ولن تجد لسنة الله تبديلا .. كل منكر يقع لابد أن تجد له مروجين وممانعين .. ساقني الخيال مرة .. وأخذت أتأمل بعض الشخصيات التي عرفت بكثرة اللجوء إلى شعار "إيييه..مجرد صراعات" .. وأخذت أتخيلها في عصر النبوة ماذا ستقول عن صراع النبي وأصحابه تجاه قريش ومتلوني الأوس والخزرج وبني قريظة والنضير وقينقاع ومتمردي الأعراب ؟ وشعرت أن هذه الشريحة لو وجدت في مثل هذا الظرف التاريخي فستكتفي بالمتابعة عن بعد، وتكرار القول بأن: هؤلاء يتصارعون حول قضايا غيبية ويدعون القضايا الحقيقة المتصلة بحاجات الناس المدنية ! وكما اعتدنا عليهم: "إييييه.. مجرد صراعات .. صراعات.. لايهمونك"! وثمة فريق آخر من أصحاب منهج "فيه قولان" لايقع منكر من المنكرات إلا وأقحموا قضية الخلاف الفقهي .. يعني نحن الآن أمام صورة من صور الاختلاط غير المشروع .. فهو ليس "اختلاطاً عارضاً" .. بل اختلاط مكث ورفع كلفة .. ومع ذلك يتحدثون عن قضية الخلاف الفقهي في صور أخرى لاصلة لها بما يجري! وهؤلاء لو تم افتتاح "حانة" في الرياض لقالوا يجب أن نميز بين خمر العنب فيها فننكره، وخمر غير العنب فيها فنراعي فيه قضية الخلاف الفقهي! بل لو تحدث شخص عن منكرات المصارف لأقحموا قضية الخلاف في علة النقدين! ياجماعة.. ياجماعة.. ارحمونا يرحكم الله .. شباب وفتيات في عمر الفتوة.. مقاعد مختلطة ..وصالات رياضية ومسابح مختلطة .. ومطاعم ومقاهي مختلطة .. وسكن مختلط غرفته بجانب غرفة زميلته .. ولاتسل عن أوقات الفراغ .. يا إخواننا أصحاب مدرسة "فيه قولان" .. بالله عليكم شيئاً من العقلانية .. هانحن نرى الفتاة تقع فريسة الهاتف والمسنجر والإيميل، بل في السوق المكتظ بجيوب الهيئة؛ ومع ذلك تتعاملون بمثالية مع اختلاط كامل بين الجنسين في جامعة معزولة عن كل هذه الأنماط الرقابية؟! بل اسألوا المستشارين الاجتماعيين عن الفتيات التي وقعن ضحية مزاملة أعضاء منتدى الكتروني فجرّهم ذلك إلى رفع الكلفة وكسر الحاجز حتى انتهى الأمر بلقاء غير مشروع (وقد وقفت شخصياً على حالات مشابهة)، كل هذا برغم أن الانترنت عالم افتراضي ومع ذلك جر هؤلاء الشباب والفتيات إلى نشوء وترعرع الانجذاب غير المشروع.. ألاتتحرك فينا الغيرة على الأعراض التي صانها الله ورسوله؟! والمراد أن أصحاب هذه المناهج والشعارات يفضي كلامهم دوماً إلى تطبيع المنكر ذاته، والتحول إلى سهام في نحور المصلحين والمحتسبين! وثمة طائفة أخرى لاتثار قضية اختلاط الجنسين في العمل والدراسة إلا وتحدثوا عن حلولهم الأفلاطونية بأننا يمكن أن "نصوغ تشريعات تضبط التحرش" .. وتراهم في حديثهم لايذكرون إلا قضية التحرش، ويذكرون تجارب دول غربية وشرقية نجحت عبر تشريعات صارمة في تكبيل التحرش .. ومايذكرونه عن تلك التجارب صحيح .. لكنهم يتعامون عن جذر المشكلة لدينا نحن في التصور الاسلامي .. فجوهر مشكلة الاختلاط ليس التحرش فقط، بل "العلاقات الرضائية غير المشروعة" ! فتلك الدول التي يذكرون تجاربها دول ذات عقائد مادية أرضية ترفض التحرش لأنه عدوان على الحرية، لكنها لاتفهم منع العلاقات الرضائية غير المشروعة لأن تلك الأمم لاتزال متخلفة منحطة عن إدراك الوحي والكتاب المبين. وعلى أية حال .. السعيد في هذه الحادثة من أبرأ ذمته .. والبائس في هذه الحادثة من نصر المنكَر أو خذل المنكِرين .. قال الحق تبارك وتعالى (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأعراف:164]

No comments: