Tuesday, March 2, 2010

"إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم

نماذج للاستنصار، والاستسقاء، والاستزراق بالضعفاء والمساكين
العلة والحكمة من ذلك
يستفاد من هذه الاحاديث م يأتي
أولاً: تفاوت الناس في الخير وفي الصفات الحسنة
ثانياً: الاهتمام بهؤلاء الضعفاء ورعايتهم سيم العلماء وطلاب العلم الأتقياء
ثالثاً: على المستضعفين أن لا يبخلو بدعائهم لاخوانهم المسلمين

على الرغم من أهمية الأخذ بالأسباب في الغزو والجهاد والسعي في طلب الرزق وما شابه ذلك، إلاَّ أنَّ هناك أسباباً وطرقاً شتى يستنزل بها النصر، ويستجلب بها الرزق فلله جنود السماوات والأرض.
فقد نُصر رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بالرعب والريح والدعاء والتضرع، واطعم وسقي هو وأصحابه بنبع الماء من بين أنامله، وببزقه في بئر، وبدعائه صيَّر الله القليل كثيراً، والعسير يسيراً، والحُزْنَ سهلاً.
هذه الأسباب وتلك الطرق مشروطة بالإيمان والتقوى، وبنصر الأمة لدينها ولربها، وبصدق توكلها واعتمادها عليه: "إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ"، (محمد:7)، "وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ"، (آل عمران:126)، "وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ"، (الطلاق:2-3).
فالحذر الحذر من الاستهانة بالضعفاء، والضيق منهم، والابتعاد عنهم، واستثقال طلباتهم، وتلبية حاجاتهم، والتواني في الشفاعة لهم سيما المتقين الأخيار، العفيفين الأطهار من العلماء وطلبة العلم المحرومين، الذين لا يسألون الناس إلحافاً.
قيمة المرء الحقيقية في إيمانه وتقواه، وفي شجاعته ونزاهته، وكريم سجاياه.
فالحذر ثم الحذر ثم الحذر أنْ تحكم على المرء بمظهره قبل أنْ تعرف مخبره، ومخرجه ومدخله.
فالعبرة ليست باللباس، وإنما بلابسيها "رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره"1، ورب ذا شارة ومهابة لا يأبه به ربه ومولاه، مما حدا بأحدهم أن صنف مؤلفاً وسمه ب(فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب)، جاء فيه بأمثلة عديدة لوفاء الكلاب وغدر وخيانة بعض لابسي الثياب.
قال صلى الله عليه وسلم وهو يعدد من تكلم في المهد من بني إسرائيل: "وبينما يرضع أمه، فمر رجل راكب على دابة فارهة وشارة حسنة، فقالت أمه: اللهم اجعل ابني مثل هذا، فترك الثدي وأقبل إليه فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديه فجعل يرضع، ومروا بجارية وهم يضربونها ويقولون: زنيتِ سرقتِ، وهي تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فقالت أمه: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فترك الرضاع ونظر إليها، فقال: اللهم اجعلني مثلها"2.
لقد أكرم الله هذا الصبي بالنطق في المهد حتى لا يستجاب دعاء أمه أنْ يجعله مثل الطاغية الجبار بل يجعله مثل تلك الجارية البريئة العفيفة.
ترى الرجل النحيف فتزدريه وفي أثوابه أسد هصــور
ويعجبك الطرير إذا تــراه ويخلف ظنك الرجل الطرير
ورحم الله الإمام الشافعي القائل:
علـيَّ ثياب لـو تبـاع جميعهـا بِفَلْس لكان الفَلْسُ منهـن أكثرا
وفيهـن نفس لـويقـاس ببعضها نفوسُ الورى كانت أجل وأكبرا
وقال آخر:
لا تنظـرنّ إلـى الثيـاب فإننـي خَلِقُ الثياب من المروءة كـاس
وقال حسان رضي الله عنه:
لا بأس بالقوم من طول ومن عظم جَسم البغال وأحلام العصافيـر
ولذات السبب فإنَّ الله العليم الخبير لا ينظر إلى أجسام خلقه ولا إلى صورهم، ولكن ينظر إلى قلوبهم وسرائرهم وأعمالهم الصالحة، وفعالهم الجليلة، فقد صح عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم"، وزاد مسلم4 وغيره: "وأعمالكم".
هذه الزيادة في غاية الأهمية لأنَّ فيها رد للمتفلتين من الالتزام بالمظاهر الشرعية نحو إعفاء اللحية، وعدم الاسبال، ونحو ذلك متشبثين بهذا الحديث دون قوله: "وأعمالكم"، فالصور والأجسام لا تعني كبير شيء عند الله عز وجل، وإنما العبرة بالسرائر والأعمال.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله معلقاً على هذا الحديث: (قالوا: ومعلوم أنه لم ينف نظر الإدراك، وإنما نفى نظر المحبة)5.
فالكرم الحقيقي في الإيمان والتقوى والتحلي بالأخلاق الحسنى.
ولهذ كان اتباع الرسل عليهم السلام عامة الضعفاء كما جاء في سؤال قيصر لأبي سفيان مما يدل على أن قيمة المسلم الحق ليست بصورته وشكله فقد يكون المرء دميم الخلقة، رث الثياب، فقيراً، إذا خطب لا يزوج، وإذا حضر لا يبه به، وإذا غاب لا يفتقد، ولكنه عند الله ورسوله والمؤمنين الصادقين ذا منزلة وجاه وعزة وكرامة.
جاء في ترجمة الصحابي الجليل جُليبيب في الاستعياب في معرفة الأصحاب6، لابن عبد البر رحمه الله: (كانت به دمامة وقصر، فكأنَّ الانصاري وامرأته7 كرها ذلك، فسمعت ابنتهما بما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك فقالت: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ"، (الأحزاب:36)، وقالت: رضيت وسلمت لما يرضى لي به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اصبب عليها الخير صباً، ولا تجعل عيشها كداً"، ثم قُتِلَ عنها جُليبيب، فلم تكن في الأنصار أيِّم أنفق منها، وذلك أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض غزواته، ففقده الرسول صلى الله عليه وسلم وأمر به يطلب فوجده قد قَتَل سبعة من المشركين ثم قُتِل، وهم حوله مصرعين، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: هذا مني وأنا منه"8، ودفنه ولم يصل عليه9.
وعن أنس بن مالك قال: كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقال له جُليبيب، وكان في وجهه دمامة، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم التزويج، فقال: إذن تجدني يا رسول الله كاسداً، فقال: "إنك عند الله ليس بكاسد".
وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزاة فأفاء الله عليه، فقال لأصحابه: "هل تفقدون أحداً؟"، قالوا: نعم، فلاناً وفلاناً، ثم قال: "هل تفقدون أحداً؟"، قالوا: نعم، فلاناً وفلاناً، ثم قال: "هل تفقدون أحداً؟"، قالوا: لا، قال: "لكني أفقد جُليبيباً، فاطلبوه في المعركة، قال: فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قُتِل، فأتاه النبي صلى اله عليه وسلم، فوقف عليه فقال: "قَتَل سبعة ثم قُتِل، هذا مني وأنا منه"، ثلاث مرارٍ. ثم احتمله النبي صلى الله عليه وسلم على ساعديه، ماله سرير غير ساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حفروا له فوضعه في قبره").

نماذج للاستنصار، والاستسقاء، والاستزراق بالضعفاء والمساكين
الاستنصار، والاستسقاء، والاستزراق، والاستشفاع بدعاء وصلاة الضعفاء والمساكين، الذين لا يؤبه بهم، كثيرة نذكر طرفاً منها للاقتداء والتأسي، ولمعرفة منزلة هذه الطائفة من المسلمين عند رب العالمين، وعند العقلاء من المؤمنين.
صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة من غزواته أنه قال: "أبغوني الضعفاء، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم"10. وفي رواية البخاري عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال: رأى سعد رضي الله عنه أنَّ له فضل على من دونه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هل تنصرون إلاَّ بضعفائكم"11، وفي رواية: "إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم"12. وفي رواية: "ينصر المسلمون بدعاء المستضعفين"13، وفي رواية النسائي: "إنما ينصر الله هذه الأمة بضعفائها، بدعوتهم، وصلاتهم، واخلاصهم".
العلة والحكمة من ذلك
على الرغم من أنَّ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء إلاَّ أنَّ بعض العلماء علل لذلك ببعض العلل.
قال الخطابي رحمه الله: (ومعناه أنَّ عبادة الضعفاء، ودعاءهم أشد إخلاصاً، لخلو قلوبهم من التعلق بزخرف الدنيا، وجعلوا همهم واحداً، فأجيب دعاؤهم، وربحت أعمالهم)14.
وقال ابن بطال -المالكي- رحمه الله: (تأويل الحديث أنَّ الضعفاء أشد إخلاصاً في الدعاء، وأكثر خشوعاً في العبادة، لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخارف الدنيا)15.
وقال المناوي رحمه الله في فيض القدير16: ("بضعفائكم"، بسبب كونهم بين أظهركم، أو بسبب رعايتكم ذممهم، أو ببركة دعائهم، والضعيف إذا رأى عجزه، وعدم قوته تبرأ عن الحول والقوة بإخلاص واستعان بالله، فكانت له الغلبة، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، بخلاف القوي فإنه يظن أنه إنما يغلب الرجال بقوته، فتعجبه نفسه غالباً، وذلك سبب للخذلان).
استسقاء معاوية رضي الله عنه بالتابعي الجليل يزيد بن الأسود رحمه الله
مما يدل على مكانة الضعفاء استسقاء الصحابي الجليل معاوية رضي الله عنه بالتابعي الكبير يزيد بن الأسود.
جاء في ترجمته في سير أعلام النبلاء للذهبي17 رحمه الله:
عن سليم بن معاوية قال: خرج معاوية يستسقي، فلما قعد على المنبر، قال: أين يزيد ابن الأسود؟، فناداه الناس، فأقبل يتخطاهم، فأمره معاوية، فصعد المنبر، فقال معاوية، اللهم إنا نستشفع إليك بخيرنا، وأفضلنا يزيد بن الأسود، يا يزيد ارفع يديك إلى الله، فرفع يديه، ورفع الناس، فما كان بأوشك من أن ثارت سحابة كالترس، وهبت ريح، فسقينا حتى كاد الناس أنْ لا يبلغوا منازلهم.
وقال سعيد بن عبد العزيز وغيره: استسقى الضحاك بن قيس بيزيد بن الأسود، فما برحوا حتى سقوا.
قال يزيد بن الأسود لقومه، وقد كبرت سنه، اكتبوني في الغزو، قالوا: قد كبرت، قال: سبحان الله، اكتبوني فأين سوادي في المسلمين؟، قالوا: أمَّا إذا فعلت، فافطر وتقو على العدو، قال: ماكنت أراني ابقى حتى أُعَاتَبَ في نفسي، والله لا اشبعها من الطعام، ولا اوطئها من منام حتى تلحق بالله.
ومن النماذج الفريدة لاستنزال النصر بالدعاء والتضرع: (ما روي أن قتيبة بن مسلم لما صاف الترك18، هاله أمرهم، فقال: أين محمد بن واسع؟19، فقيل: هو في أقصى الميمنة جانح على سية قوسه20، يؤمئ بأصبعه نحو السماء، فقال قتيبة: تلك الأصابع الفاردة أحب إليّ من مائة ألف سيف شهير، وسنان طرير21، فلما فتح عليهم قال له: ما كنت تصنع؟، قال: آخذ لك بمجامع الطرق22)23.

يستفاد من هذه الاحاديث ما يأتي
أولاً: تفاوت الناس في الخير وفي الصفات الحسنة
صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا......."، الحديث24.
وقال صلى الله عليه وسلم: "الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة".
فسبحان من فاوت بين الخلق هذا التفوت: قيل لابراهيم عليه الصلاة والسلام: اذبح ولدك فتله للجبين.
وقيل لبني إسرائيل اذبحوا بقرة "فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ"، (البقرة:71).
وخرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه من جميع ماله، وبخل حاطب بن ثعلبة بالزكاة، وجاد حاتم في حضره وسفره، وبخل الحباب بضوء ناره25.
قال ابن عقيل الحنبلي رحمه الله في (الفنون)26: (الصحابة رضي الله عنهم آثروا فراق نفوسهم لأجل مخالفتها للخالق سبحانه وتعالى، فهذا يقول: زنيت فطهرني، ونحن لا نسخوا أنْ نقاطع أحداً فيه لمكان المخالفة)27.
وعبد الله بن أبي سلول يبخل ويأمر بالبخل، ويقول لعنه الله: "لا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنفَضُّوا"، (المنافقون:7).
وأبو الدحداح يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند نزول قوله سبحانه وتعالى: "مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا"، (البقرة:245): (يستقرضنا ربنا وهو غني عنا؟!، قال: "نعم، يريد أن يدخلكم الجنة به"، قال: فإني إنْ أقرضت ربي قرضاً يضمن لي به ولصبيتي الدحداحة معي في الجنة؟، قال: "نعم"، قال: فناولني يدك، فناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقال: إنَّ لي حديقتين إحداهما بالسافلة، والأخرى بالعالية، والله لا أملك غيرهما، قد جعلتهما قرضاً لله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعل إحداهما لله، والأخرى دعها معيشة لك ولعيالك"، قال: فاشهدتك يا رسول الله إني قد جعلت خيرهما لله تعالى، وهو حائط28 فيه ستمائة نخلة، قال: "إذا يجزيك الله به الجنة"، فانطلق أبو الدحداح حتى جاء أم الدحداح وهي مع صبيانها في الحديقة تدور تحت النخل فأنشأ يقول:
هـداكِ ربـي سُبُلَ الرشـادِ إلى سبيل الخير والسـدادِ
بِينِي مـن الحائـط بالـوِداد فقد مضى قرضاً إلى التَّنادِ
أقرضتـه الله على اعتمـادي بالطَّوْع لا مَـنٍّ ولا ارْتِدادِ
إلاَّ رجـاء الضِّعف في المعاد فارتحلي بالنفـس والأولادِ
والبـِرّ لا شـكّ فخيرُ الـزادِ قدّمَـه المـرءُ إلـى المعادِ
قالت أم الدحداح: ربح بيعك!، بارك الله لك فيما اشتريت، ثمَّ أجابته أم الدحداح وأنشأت تقول:
بشّـرك الله بخيـر وفـرح مِثلُك أدّى ما لديـه ونَصَـح
قـد متّع الله عيالـي ونفـح بالعجوة السوداء والزهو البلح
والعبد يسعى وله ما قد كدح طول الليالي وعليه ما اجترح
ثم أقبلت أم الدحداح على صبيانها تخرج مافي أفواههم، وتنفض مافي أكمامهم حتى أفضت إلى الحائط الآخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كم من عِذَقٍ رَدَاح29 ودار فَياح30 لأبي الدحداح".)31.
قال ابن العربي المالكي رحمه الله: (انقسم الخلق بحكم الخالق، وحكمته، وقدرته، ومشيئته، وقدره حين سمعوا هذه الآية32 أقساماً، وتفرقوا فرقاً ثلاثةً: الفرقة الأولى: الرَّذلى، قالوا: إن رب محمد محتاج فقير إلينا، ونحن أغنياء، فهذه جهالة لا تخفى على ذي لب، فردَّ الله عليهم بقوله:" لَّقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء"، (آل عمران: 181). الفرقة الثانية لما سمعت هذا القول آثرت الشح والبخل، وقدمت الرغبة في المال، فما انفقت في سبيل الله، ولا فكت أسيراً، ولا أعانت أحداً، تكاسلاً عن الطاعة وركوناً إلى هذه الدار. الفرقة الثالثة: لما سمعت بادرت إلى امتثاله، وآثر المجيب منهم بسرعة بماله كأبي الدحداح رضي الله عنه)33.
فسبحان من فاوت بين الصحابي الجليل عاصم بن ثابت رضي الله عنه الذي أقسم أنْ لا يمس مشركاً، ولا يمسه مشرك، فأبرَّ الله قسمه حياً وميتاً، والإمام أحمد الذي كان يغمض عينيه إذا رأى ذمياً ببغداد حتى لا تقع عيناه على أحد ممن يشرك بالله عز وجل، وينسب إليه الصاحبة والولد، وبين جل حكامنا اليوم الذين يسعون إلى موالاة الكفار ويهشون ويبشون عند لقائهم ويكرمونهم ويعظمونهم وينفذون مخططاتهم، ويعادون ويتبرأون من اخوانهم المسلمين.
وسبحان من مايز وفرق بين علماء الآخرة الأبرار وعلماء الدنيا، السلاطين الأشرار الذين باعوا آخرتهم بدنيا غيرهم فلا للإسلام نصروا ولا للكفار خذلوا وفضحوا، فهم منافقون في فتواهم، مغضبون لربهم ومولاهم، خاذلون للمؤمنين، وناصرون للكافرين فعليهم من الله اللعنة إلى يوم الدين، إلاَّ من رجع إلى الطريق المستقيم.

ثانياً: الاهتمام بهؤلاء الضعفاء ورعايتهم سيما العلماء وطلاب العلم الأتقياء
من أوجب واجبات الأمة متمثلاً في حكامها والموسرين من أفرادها وفي المنظمات والجمعيات الخيرية، الاهتمام بالضعفاء ورعايتهم ورفع الضيم والظلم عنهم بشتى الطرق، فإنْ قصّر الحكام في هذا الجانب، فلا يُغتفر تقصير الموسرين، فالمسلمون يسعى بذمتهم أدناهم، وعليهم أنْ يقتدوا برسولهم وبسلفهم الصالح أمثال عبدالله بن المبارك الذي كان يقول: لولا السفيانين لما اتجرت.
وبالليث بن سعد، فقيه مصر، وكان من الموسرين الأسخياء ومع ذلك لم تجب عليه زكاة لكثرة انفاقه، أهدى إليه مالك عندما جاء إلى الحج طبَقاً من رطب فرد الطبق وهو مليء بدنانير من ذهب، وطلب منه مالك شيئاً يصبغ به ثياب ابنته لزواجها، فأرسل إليه حمل بعير.
من العار في هذا العصر أنْ يهمل العلماء وطلاب العلم ويتركوا كأنهم أيتام على موائد فسلة لئام.
جاء في تفسير هذا الحديث34: (قال القاضي: أي اطلبوا لي وتقربوا إلىَّ بالتقرب إليهم، وتفقد أحوالهم، وحفظ حقوقهم، والإحسان إليهم قولاً وفعلاً، واستنصاراً بهم.........
وقيل: بسبب كونهم بين أظهركم، أو بسبب رعايتكم ذممهم، أو ببركة دعائهم.
وقال الطيبي: فيه تحذير من التكبر على الفقراء، والمحافظة على جبر خواطرهم. ولهذا قال لقمان لابنه: لا تحقرن أحداً لخلقان ثيابه فإنَّ ربك وربه واحد.
وقال ابن معاذ: حبك الفقراء من أخلاق المرسلين، وايثارك مجالستهم من علامات الصالحين، وفراراك منهم من علامات المنافقين)35.

ثالثاً: على المستضعفين أنْ لا يبخلوا بدعائهم لاخوانهم المسلمين
ينبغي على المستضعفين أنْ لا يبخلوا بدعائهم لاخوانهم المسلمين لا سيما المقهورين المظلومين، المجاهدين والمأسورين، والمرضى والمبتلين، فالدعاء سلاح المستضعفين، وعدة لمن خذلهم اخوانهم فلا ناصر لهم إلاَّ الله ثم الدعاء في مواطن الإجابة.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من نصره الله وأعزه بالضعفة والمساكين، وخذل به وبهم الطغاة المتجبرين المترفين، وعلى آله وصحبه، وسائر المسلمين.

وكتبه
الأمين الحاج محمد
رئيس الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان
لثنتي عشر ليلة خلت من صفر الخير 1431هـ

http://islamadvice.com

No comments: