Thursday, March 26, 2009





3/23/2009 3:21:00 PM
كتب - عماد سيد - اعتذر في البداية عن هذا السؤال الساذج .. فكما يعلم أي مصري عاش في هذه الدولة منذ الثورة المجيدة أن المواطن ما عليه الا أن يعمل ويتزوج وينجب ويأكل ويموت .. وليس عليه إعمال عقله فيما يجري في بلده ولا أن يختار ممثليه في المجالس النيابية (الحكومة عارفة الصح طبعا وهي اللي بتختار للمواطن خير من يمثله) ولا حتى أن يعرف لماذا تولى وزير معين وزارة ما، فضلاً عن أن يعرف لماذا أقيل وزير آخر من منصبه بل إن الوزير نفسه يفاجأ بالاتصال التليفوني بترشيحه لتولي حقيبة وزارية وهو نائم في بيته كما هو الحال عند إقالته .. ولا يعرف أحد فيم جاء وفيم مضى!
قرأت العشرات من الصحف خلال الأسبوع الماضي محاولا فهم سبب إقالة الدكتور محمود أبو زيد وزير الري و رئيس المجلس العربى للمياه.. و والله فإن ما حدث لهو كارثة في أي دولة متحضرة تحترم شعبها ولا تعاملهم معاملة الأطفال القصر
تضارب تام بين كل الصحف الرسمية والمستقلة والمعارضة .. لا يوجد سبب واضح .. وأكبر دليل على فشل دولة الموسسات وغياب الشفافية مصر هو هذا التخبط الحادث في محاولة تفسير الأمر، فلو كنا في دولة تحترم عقول مواطنيها وتؤمن بالشفافية لكان سبب اقالة الرجل واضح ولا يحتمل التأويلات او التفسيرات الورادة هنا في هذا الموضوع وسأحاول ان أجمل للقارئ الكريم كافة الأسباب التي وردت في صحف الأسبوع الماضي، لعل أحدنا يستطيع أن يتفهم السبب الحقيقي وراء إقالة هذا الرجل العالم في مجاله والبعيد عن الأضواء .. مع التأكيد على أنه يكفي الرجل 12 عاما قضاها في الوزارة .. فالتغيير سنة الحياة (مش كده برضه!)
أسباب صحية
وهو ما قالته بعض الصحف المدعوة قومية زورا وبهتانا ، وهو الأمر الذي نفاه الرجل بنفسه وكل ما عرفناه أن الدكتور أبو زيد مصاب بمرض السكر فقط وهو أمر لم يعقه عن أداء مهام عمله طوال الفترة الماضية، فضلاً عن أننا لم نعرف أن وزيرا في مصر أقيل أو استقال لظروفه الصحية، ولنا في الدكتور عبد الهادي راضي وزير الري الأسبق مثال في ذلك ، فالرجل توفي في مكتبه وقد كانت المرض يتزايد عليه في أواخر أيامه بالوزارة
وزارات رجال الأعمال
بعض الخبثاء أكدوا أن السبب في ذلك اكتشاف أن الرجل لم يكن معنيا بأمور "البيزنس" وربما كان الوحيد الذي تولى مسئولية حقيبة وزارية دون ان يكون لوزارته علاقة بأعماله الخاصة، وهو تقريبا عكس كل وزراء حكومة الدكتور نظيف .. اعتقد أنه أمر فكاهي فقط للتندر بحال حكومتنا الغراء وليس سببا رئيسياً فيما حدث
تسعير مياه الري وحصة المواطن
وهو أمر عرضته العديد من الصحف كسبب مباشر لإقالة الرجل، و يقول العديد من المراقبين بأن مسألة وضع سعر لمياه الري يأتي في إطار أجندة ما يسمى بــ "ترشيد الاستخدامات المائية" وهو الأمر الذي رفضه بشدة الدكتور أبو زيد وعارضه و وقف أمامه ومنع تنفيذه وبذلك فلابد من أن يأتي من يستطيع تنفيذ الأجندة
ونقلت بعض الصحف تصريحات على لسان رئيس الوزراء بأن أحد الأسباب الرئيسة لإقالة وزير الري هو انخفاض معدلات نصيب الفرد من المياه كما أن هناك مشروعات طموحة تهدف إلى زيادة الرقعة الزراعية في مصر تقوم على تدبير نحو 9 مليارات متر مكعب من المياه لزراعة نصف مليون فدان، وبالتالي كان لابد من وجود من يستطيع تنفيذ هذه الخطة
كما يقال إن أحد الأسباب هو الأداء غير المرضي لوزير الري في مشروع تطوير الري بالأراضي القديمة والتي تصل مساحتها الي 8 ملايين فدان رغم انتهاء البرنامج الزمني المحدد لها واعتماد المبالغ المالية اللازمة لذلك
وكان الوزير الجديد قد أكد أن الحكومة تعتزم تسعير مياه الري للمستثمرين بالاراضي الصحراوية، مضيفاً أن الرسوم التي يسددونها تأتي في مقابل توفير المياه لهم عن طريق مستثمر رئيسي يقوم بشق ترعة في منطقة الطريق الصحراوي بين مصر والاسكندرية وذلك بنظام "B.B.B" وهو ما يعرف بالادارة المشتركة تحت إشراف وزارة الري، وأكد الوزير أن مياه النيل تصل مجاناً للمزارعين في الأراضي الزراعية "القديمة"
رجل من الحرس القديم
لا يستطيع أحد في مصر أن ينكر حقيقة أن الدكتور محمود أبو زيد واحد من العلماء المعدودين على مستوى العالم في مجال الري والمياه وتلقى العشرات من الجوائز العالمية في مجاله ويحترمه ويقدره كل من تعامل معه .. وربما كان هذا هو سبب الإطاحة به من منصبه ويؤكد البعض ظهور لوبي جديد بمجلس الوزراء مضاد لرئيس الوزراء ووزراء جيله من أنصار "الفكر الجديد" ويمثلون الاتصالات والتنمية الإدارية والاستثمار والتعليم العالي والزراعة، في مواجهة وزراء الحرس القديم ويمثلون وزراء الثقافة والأوقاف والكهرباء .
وبالطبع فهؤلاء يخشون الآن على أنفسهم بعد أن أطيح برجل من دفعتهم ربما لم ينجح في التواؤم مع أجندة الفكر الجديد ولا يبدو أن قابل للتطويع او ابداء قليل من المرونة حيال أجندة هذا الفكر
خلافات مع وزير الزراعة
وهو الأمر الذي نفاه أمين أباظة وزير الزراعة، وقال في مؤتمر صحفي مشترك بمقر مجلس الوزراء مع وزير الري الجديد الدكتور محمد نصر الدين علام ان أي سبب وراء إقالة أبو زيد تسأل عنه القيادة السياسية مضيفا أن وزير الري السابق قضي 12سنة في الوزارة وأن التغيير سنة الحياة (!!) وأن الوزارتين - الزراعة والري ـ دائماً ما تنسقان فيما بينهما في كل العصور والفترات، وقال ان الاشخاص زائلون والمؤسسات باقية!
وبالطبع لا يعرف أحد حقيقة أو طبيعة الخلاف بين الرجلين .. ولن يعرف أحد .. على الأقل في العصر الحالي
هجوم الوفد الإثيوبي على مصر
وعن هذا الأمر قالت المصري اليوم إن السبب الأساسي لإقالة الرجل هو غضب الرئيس مبارك من الوزير إثر تلقى الرئيس تقريراً رفيع المستوى أكد أن أبوزيد أخفق فى الرد على هجوم الوفد الأثيوبى و وزير الرى بحكومة جنوب السودان على مصر خلال اجتماعات مجلس وزراء النيل الشرقى التى عقدت فى السودان يوم 2 مارس الجارى، على هامش احتفالات بدء تشغيل سد مروى الجديد.
و كان محمود أبوزيد قد زار السودان فى مطلع شهر مارس للمشاركة فى احتفالات بدء تشغيل السد بحضور قيادات سودانية بارزة، وأثناء اجتماع مجلس وزراء النيل الشرقى، شن بعض المسؤولين هجوماً عنيفاً ضد سياسات مصر المائية والمبادرة التى طرحتها القاهرة لحوض النيل.
وأشارت مصادر رفيعة للصحيفة إلى أن أبوزيد لم يرد خلال الاجتماعات على الهجوم، معتبراً أن الكلام الذى طرح يخرج عن دائرة العمل الفنى والمهنى، مضيفة أن التقرير الذي تلقاه الرئيس مبارك أشار إلى الواقعة مما أثار غضب مبارك، فأحال الأمر إلى د. أحمد نظيف رئيس الوزراء والذي استدعى أبوزيد وأبلغه غضب الرئيس، فيما أوضح أبو زيد أن ما وصل للرئيس ربما يكون مبالغاً فيه وأنه يعرض استقالته الفورية ولكن نظيف طلب منه الانتظار إلى حين عرض الأمر على الرئاسة.
وقالت مصادر مقربة من وزير الرى السابق إن اجتماعات مجلس وزراء النيل الشرقى كانت ناجحة للغاية وأن أبوزيد سجل أداء عالياً خلالها، ولم تؤكد المصادر ما إذا كان ما دار فى هذه الاجتماعات هو سبب إقالة الوزير من عدمه.
وأضافت الجريدة أنها علمت أن تعليمات عليا صدرت للدكتور محمود أبوزيد بعدم التحدث أو التصريح لوسائل الإعلام بأسباب الاستبعاد، ومن المتوقع أن تتخذ الرئاسة خطوة تكريمية للوزير السابق لإغلاق ملف إقالته، وإنهاء حالة الجدل الحالية حول الأسباب الحقيقية.
توشكى .. والوليد بن طلال
وربما يكون هذا السبب أيضا هو أحد الأسباب الحقيقية وراء الإطاحة بالرجل، ويقال إن سبب اشتعال الأزمة كان رد الوزير على سؤال من النائب طلعت السادات حول تخصيص 120 ألف فدان لشركة (المملكة) لصاحبها الأمير الويد بن طلال في مشروع توشكى، بينما كان أقصى نصيب معلن للمستثمرين الآخرين في الداخل والخارج هو 20 ألف فدان فقط، وكان في رد الوزير ما يشير بالإدانة الواضحة لطريقة التعاقد بين الدولة والأمير سواء من ناحية المساحة الهائلة التي أعطيت للأمير أو من ناحية إغفال العقد لما يختص بإدارة الموارد المائية لأراضي الشركة خاصة وأنه تم توقيعه دون حدوث أي تشاور بين وزراتي الري و الزراعة حول المقننات المائية لهذه الأراضي
وهكذا فإن أراضي مصر تباع وتوهب لمن ترضى عنه الحكومة دون التزام بقوانين او عقود او اتفاقات تحمي حقوق الشعب المصري، وما قصة تخصيص مساحات هائلة بثمن بخس للسيد هشام طلعت مصطفى لإقامة مشروع مدينتي عنا ببعيد.
وأخيرا .. فهذه هي مصر .. هكذا يأتي الوزراء وهكذا يذهبون .. من يرغب فيه المواطن ويعمل في صمت يرحل .. ومن يدعو المواطن ربه ليل نهار أن يترك منصبه فهو باقٍ.
ويبدو أن سياسة العناد التي لا تتغير مع المواطن المصري ستظل كما هي .. وسيظل المواطن وتساؤلاته واتهاماته هي آخر ما تفكر فيه القيادة السياسية لدولة لا يعرف المواطن فيها كيف تسير الحياة فيها وتعتبر كل ورقة تصدر فيها سر من أسرار الدولة العليا ليس على الأطفال أو القصر السؤال عنها لأنها تفوق قدراتهم على الفهم والاستعياب.

No comments: