Saturday, April 11, 2009

الإسلام والغرب

تفاوت الرؤيا بين العرب وإسرائيل
صراع الحضارات..واقع أم خرافة(**)

"....إن خرافة المواجهة بين الإسلام والغرب , هي خرافة مستديمة من جهتين متناقضتين في الظاهر. من المعسكر الغربي بالدرجة الأولى ولكن ليس في الغرب حصرا. هذا المعسكر الذي يسعى لتحويل العالم الإسلامي إلى عدو آخر.ومن معسكر أولئك الذين يدعون , من داخل البلدان الإسلامية نفسها,إلى المواجهة مع العالم غير المسلم ، و خصوصا العالم الغربي . و هي تنطوي على محاجة ، و هي إذ تنتقد ايديولوجيات من سعوا طويلا الى الهيمنة على العالم الاسلامي ، فانها تنتقد أيضاً الكثير مما يحدث بوصفه رداً " بديلا " "محليا" "أصيلا" من داخل هذه البلدان نفسها . و بهذا المعنى فإن هذا الكتاب سيجابه بالرفض من قبل المجموعتين على حد سواء " .
هذه الفقرة جزء من المدخل الذي اختاره فريد هاليداي لكتابة ذي العنوان : " الإسلام و الغرب – خرافة المواجهة" و الذي صدرت طبعته العربية عن دار الساقي ( بيروت – لندن ).
الكتاب يعتمد مبدأ الإستقراء التاريخي للأحداث الشرق أوسطية مع محاولة ربطها بالسياق السياسي العالمي ، ابتداء من فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية . و يجهد المؤلف للحفاظ على موضوعية طروحاته , و كسب الغطاء المنطقي لها . مما يجعله يتنقل بين محاجات كثيرة ، قد يبطئ القارئ في استيعابه لها و لأسلوب قفز المؤلف بينها .
الملاحظة الأولى هي أن هاليداي يرفض مسلمات عديدة . فهو لا يعترف بوجود ما يسمى النظام العالمي الجديد ، لأنه يرى أن هذا النظام قد وجد نهايته مع سقوط الإتحاد السوفياتي العام 1991 ، بحيث لم يعد قادراً على التمثيل في نظام عالمي . بل هو يعتبر هذا النظام مجرد أسطورة . كما أنه و بعد أن يفرق بين الإسلام الديني و الإسلام السياسي ، يجد أن هذا الأخير هو مجرد طرح غير قابل للتنفيذ و مختلف باختلاف الزمان و المكان . بل هو يكاد يجزم بعدم وجود إسلام سياسي واحد . فيؤكد وجود رؤى متعددة يؤكد عجزها عن تقديم الحلول الناجمة للمشاكل الإجتماعية – الإقتصادية التي بررت ظهورها و قبولها في بلدان عديدة .
عبى أية حال فإن هاليداي يوزع كتابه على فصول سبعة هي : 1- الشرق الأوسط و السياسة الدولية و 2- الثورة الإيرانية من منظور مقارن و 3- حرب الخليج الثانية و 4- خرافة المواجهة بين الإسلام و الغرب و 5- خطر الإسلام أم خطر على الإسلام و 6- حقوق الإنسان و الشرق الأوسط الأسلامي و 7- معاداة المسلمين و السياسة المعاصرة ثم "الاستشراق و نقاده" .
و يبدأ المؤلف بمناقشة الإسلام السياسي ، مبتعداً عن الإسلام بمفهومه الديني . معلناً أن مناقشته تتناول طرح الإسلام كنظام سياسي – اجتماعي ، فيعلن عدم اعتقاده بجدوى اعتبار الوقائع السياسية – الإجتماعية ، التي يصح فيها هذا المصطلح كجزء من ظاهرة واحدة . لأنه يرى أن هذا المصطلح لا يملك دلالة موحدة أقله على مستوى التحليل السياسي . خصوصاً أن للمصطلح دلالات متغيرة من زمن لآخر و من مكان لآخر و تغير هذه الدلالات يجد برهانه في الفروقات الدلالية بين الإسلام العربي ( الأموي و العباسي ) ، و بين الإسلام الفارسي و الطوراني و أيضاً بين الحركات الإسلامية المعاصرة , حيث يلاحظ توظيف الرموز و المعتقدات الدينية توظيفات مختلفة .
لكننا نقف هنا للتأكيد على جهود المؤلف للتمسك بموضوعية تحليله و نظرته لتطبيقات الإسلام السياسي . و في المقابل نسأل عن اليهودية السياسية و الخرافات المؤسسة لها ، و أيضاً عن شيزوفرانيا أو تعدد شخصيات هذه اليهودية . و السؤال هنا ليس معترضاً إذا كان المؤلف معتمداً نهج الإستقراء التاريخي . حيث اليهودية تعتبر أن الإالتزام بنظامها السياسي _ الإجتماعي جزء من الإيمان اليهودي ، و لا تقبل التفريق بين يهودية دينية و أخرى سياسية . بل ان مجرد محاولات التفريق قد فشلت في التجربة الإسرائيلية . فها يجوز أن تقدم تحليلاً للشرق الأوسط يتجاهل هذه الوقائع ؟ خصوصاً أن المؤلف سيتابع هذا التجاهل في حديثه عن خصوصية الشرق الأوسط ، فيرى عدم جدوى اعتبار هذه المنطقة احدى أكثر مناطق العالم تأزماً في حقبة ما بعد 1945 . و يقدم لذلك الدلائل بالتذكير بسخونة الشرق الأقصى في الفترة عينها . و يخلص الى التنبيه مما يمكن أن يسمى "نرجسية إقليمية" ، شرق أوسطية ، تميل لإعتبار اقليمها متفرداً في دراميته و أهمية أحداثه .
و الواقع أنني أوافق المؤلف على استعمال مصطلح "النرجسية" لأن درامية الشرق الأوسط إنما تتنبع من الجروح النرجسية ، التي حدثت في جغرافية هذه المنطقة غداة الحرب العالمية الأولى . فكان أول هذه الجروح تحطيم حلم الدولة العربية ، و من ثم وعد بلفور ، و اتفاقيو سايكس – بيكو ، و اقتطاع تركيا لقسم من الساحل السوري الشمالي ... الخ من الجروح النرجسية – الجغرافية التي لا تزال قابلة للتفجير ، و التي كان يمكن للمؤلف أن يتابع على ضوئها مناقشة قضايا عديدة لاحقة في كتابه ، فبالرغم من هول صراعات الشرق الأقصى ، فإنها كانت ملتزمة باطار ايديولوجي ، في حين أن صراعات الشرق الأوسط ، هي صراعات ناجمة عن التفكيك القسري للمنطقة . و هي صراعات قابلة للامتداد عبر الأجيال .
من هنا تأتي قابلية صراعات المنطقة للانفجار السريع ، و لتغير أنظمتها السياسية ، و اتجاهاتها ، و أيضاًُ من هنا خروج هذه الصراعات بقدر كبير من الشلة الأوسع للسياسة الدولية (كما يقول المؤلف) .
ثم يذكر المؤلف خمسة أمثلة (يعتبرها أساسية) على خصوصية الشرق الأوسط و هي : 1- سيادة السلام و 2- القضية الفلسطينية و 3- التفاني من اجل الوحدة العربية و 4- صعود الدول النفطية
و 5- الارهاب . فيرى أن سيادة الاسلام انما تعود لفشل التجارب العلمانية في حل الأزمات الاجتماعية – الاقتصادية – الثقافية ، مما أفسح المجال لاقتراحات الحل الديني ، متجاهلاً مرة اخرى ازمة الانتماء ، التي تفسر العوامل الخمسة مجتمعة . حتى أمكن القول ان صعود التيار الديني انما جاء لتعويض فخ الانتماء الذي نسجته الجروح النرجسية – الجغرافية المشار اليها اعلاه .
لكن المؤلف يثير في المقابل موضوعاً في غاية الأهمية و هو موضوع العنف داخل الأمة ( الشرق أوسطية ) فيرى أن ضحايا هذا العنف هم من السكان المحليين ، على عكس الانطباع السائد عن توجه هذا العنف نحو الاوروبيين و الغربيين اجمالاًَ . و الواقع ان هذا الانطباع قد نجم اساساً عن التضخيم الاعلامي الغربي لحوادث العنف الموجه نحو الغربيين مع تجاهل تام لعنفهم المضاد و للعنف الداخلي . و هذا الأخير يجد نفسه و تبريره من خلال مرض تعدد الشخصيات (الانتماءات) الناجم عن الجراحات الجغرافية الوحشية ، التي لم تجد شفاءها لغاية اليوم ، و التي يستطيع التيار الديني وحده ان يقدم وعداً بشفائها يرتبط بالعقيدة .
و ينتقل المؤلف للحديث عن الثورة الايرانية ، فيركز علة ايديولوجيتها الدينية ، و يعتبرها الأولى من نوعها في التاريخ الحديث (منذ العام 1789) ففقد كان الدين عماد هذه الثورة ، و هيمن على أشكالها التنظيمية و كوادرها القيادية ، و اهدافها المعلنة مما أعطى لهذه الثورة تمايزها و لكنه الزمها بنظام وضع للقرن السابع الميلادي ، و ليس لهذا الزمان الحالي . و من هنا رفض هذه الثورة لأفكار التقديم التاريخي . و عند هذه النقطة نجد ضرورة تذكير المؤلف باشكالية اليهودية السياسية التي استبقنا طرحها أعلاه . فها هي اسرائيل ترتدي رداءً عصرياً علمانياً ، لتعيش واقعاً يعود الى عدة قرون قبل الميلاد و لاتجد لها ناقداً .
ثم يأتي دور حرب الخليج الثانية ، فيرى المؤلف حياد الاسلام فيها رغم وقوعها بين دولتين اسلاميتين . في المقابل يرى ان هذه الحرب قد طرحت للنقاش اشكاليات عديدة في العلاقات الدولية ، مثل مسألة السيادة و التدخل في شؤون الغير ، و سابقة تدخل الأمم المتحدة في شمال العراق ... الخ . بعد هذه الستقراءات و العروض المتتالية يصل المؤلف الى محور كتابه ، و هو قضية المواجهة بين الاسلام و الغرب (صدام الحضارات). و يبدأ هاليداي برد فكرة و جود صراع كامن مستمر بين الاسلام و الغرب ، كما يرد فكرة اعادة احياء هذا الصراع كنتيجة لنهاية الحرب الباردة ، الى طائفة الديماغوجيين (اروروبيين و اميركيين ). و مع هذه الطائفة بعض المسلمين المحليين ، الذين افترضوا ان سقوط الاحزاب التابعة للشيوعية المنهارة ستفسح المجال لصعود احزاب اسلامية ، ستحل مكان البلشفية في تهديدها للغرب و في عدائه .
و يرى المؤلف ان هذه الافكار (حول صدام الحضارات) باتت شائعة في الغرب كما في الدول الاسلامية مما يجعل من محاولات وضعها في اطارها الصحيح عملية تتحدى كل الأطراف و قناعاتهم ، دون أن يعني ذلك عدم وجود السبل للتعامل مع طائفة طويلة من المسائل المعقدة الموحية بحتمية الصراع اذا لم يتم ايجاد الحلول لها .
و هذا طرح يتسم بالموضوعية و بجدية لا تتأثر بشائعات الفكر التي تكاد تصل الى حدود المسلمات و البديهيات . فهذا الصراع ظل كامناً طوال قرون ، و الفراغ الفكري المتخلف عن سقوط الشيوعية غير كاف نظرياً لاعادة احياء هذا الصراع . و بالتالي فانه مرشح للكمون لمدة زمنية مقبلة ، كما أن الاستقراء التاريخي يثبت ان الصراعات و ان سارت نحو الحروب فان نهايتها الخمود . و كان المؤلف قد مهد لهذه الفرضيات بتبيانه ان الارهاب و الصراعات الشرق اوسطية توجهت نحو الداخل و ليس نحو الخارج – الآخر ... (الغرب). لكن الذي يبقى مسيئاً الى موضوعية المؤلف و سلامة منطق عرضه الفكري هو تجاهله لكون اسرائيل رمزاً تجسيدياً للغرب ، يتجاوز احتلال الاراضي الى انتهاك الحرمات الدينية الاسلامية و المسيحية .
و باللجوء الى تأكيد توزع خارطة القوة العسكرية ، يحاول هاليداي ، تأكيد عجز الاسلام عن خوض مواجهة متكافئة مع الغرب . فالامبراطورية العثمانية ( الاسلامية ) سقطت منذ العام 1918 ، و لا سبيل لبعث رديف لها . و حتى اذا حصل ذلك فان القوة العسكرية لن تتكافأ مع قوة الغرب . و يحاول هاليداي تحليل اسباب شيوع اعتقاد صدام الحضارات ، فيجد ان الدول الاسلامية قد خاضت تجارب علمانية فشلت في حل مشاكلها الاجتماعية – الاقتصادية – الثقافية ، فوجدت في الاسلام الملجأ و الملاذ. أما في الغرب فان اوروبا باتت تخاف من موجات هجرة سكان العالم الثالث اليها . اما الولايات المتحدة فهي تخشى من الوان التعددية المقبلة اليها من بلدان العالم الثالث . و هي تعددية لم يعد بامكان نظام القيم الاميركي استيعابها . فهي تحمل معها تعددية دينية و ثقافية و لغوية . و هذا الخوف الأوروبي – الاميركي يبطن الرفض الذي يشكل قاعدة انطلاق شائعات صدام الحضارات برأي هاليداي .
خلاصة هل يتفق القارئ مع فكرة خرافية صدام الحضارات أم يختلف معها ؟ في رأينا ان القارئ لا يملك حق الاتفاق او الاختلاف حول هذا الموضوع لأن هناك حكومات عالمية تعتمد هذه الشائعة و تتصرف على أساسها ، بما يوحي بتحويلها من مجرد شائعة الى واقع عالمي . حتى يبدو و كأن العام يسير نحو حرب باردة جديدة ، حيث لا حساب لكمية الأسلحة بل للقدرة على تحقيق الأذى . العالم الثالث من جهته ليس مذنباً اذا كان يعد ملياراً من المسلمين بين سكانه الذين يحلم بعضهم بهجرة الى مدن الصفيح الغربية فيمنعون من ذلك .

No comments: