Friday, May 8, 2009

دع الإرهاب جانبا، التفسخ هو المشكلة.. بقلم: علي الصراف


الافتراض السائد، بين العامة والخاصة، يقول أن الإرهاب (بمايعنيه من تطرف، وأعمال عنف، ومخاوف) هو الخطر الذي يهدد الاستقرار في العالمالعربي، بل وفي العالم برمته.

ولكن ليس من الصعب، حسابيا على الأقل، ملاحظة أن هذا الافتراض خاطئ جملةوتفصيلا.
السبب الذي دفع هذا الافتراض الى الواجهة هو أن الولايات المتحدة اعتبرت مكافحةالإرهاب مهمتها الأولى في العالم بعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001، وسخرت من اجلها كلآلتها الإعلامية.
وكلنا يعرف اليوم أن الولايات المتحدة فعلت ذلك لأنها كانت تريد أن تنفّذ، منخلال مكافحة الإرهاب، أجندات أخرى. إحداها، تحويل الهيمنة عبر خط الهاتف الى هيمنةمباشرة. وثانيها، نقل وظيفة التدخلات من وزارة الخارجية الى البنتاغون. وثالثها،إجبار كل العالم على المشاركة في دفع تكاليف الحرب. وهو ما صار بيّنا في عواقبالأزمة المالية التي يعانيها كل الذين مولوا شراء الديون الأميركية.
لا أحد يجب أن يلوم الولايات المتحدة على جعل الإرهاب قضيتها الأولى. فطالماأنها تستفيد من الإرهاب لنشر ثقافتها وجنودها، فشأن من شؤونها أن تفعل من خلاله ماتشاء.
أما أن نمشي وراءها مغمضي الأعين، فهذا موضوع آخر.
الولايات المتحدة، على أي حال، خسرت الحرب على الإرهاب. وها هي تدفع الثمن. وهيتجر وراءها كل العالم أيضا ليدفع الثمن معها أيضا.
وبالتالي، فان المشي وراء المهزوم، وصفة إضافية للهزيمة.
ما لا يلاحظه العامة والخاصة، على أي حال، هو أن الإرهاب لم يشكل عندنا تهديدايبرر كل هذا الانشغال به.
رغم كل حملات التخويف، فالحقيقة هي أن الإرهاب لم يكلفنا إلا القليل جدا منالخسائر والتضحيات. من المغرب حتى البحرين، وعلى امتداد السنوات الثمانية الماضيةلم تقع إلا حوادث متفرقة بالكاد تصل الى عشرين حادثا. ويستطيع المرء أن يزعم إنضحايا حوادث السيارات كانوا أكبر بكثير جدا.
فحسب تقارير مجلس وزراء الداخلية العرب فان حوادث السير تقف وراء مقتل 26 ألفشخص سنويا في العالم العربي. وتقدر كلفة الخسائر المادية الناجمة عنها بنحو 65مليار دولار. وهذا معدل خسائر بشرية ومادية لا يمكن للإرهاب أن يحلم به.
وللمرء أن يتصور ماذا كان يمكن أن يعني توظيف 65 مليار دولار في مشاريع بناءمدارس ومستشفيات وطرق واتصالات وخدمات.
نسبة كبيرة من الفقر ستكون قد زالت أيضا.
وهذا يعني اننا لو انشغلنا بالحد من حوادث السير، لكنا قدمنا لأنفسنا خدمة اكبربمئات المرات من انشغالنا بمكافحة الإرهاب.
الغالبية العظمى من الدول العربية ظلت، على أي حال، خالية من الإرهاب جملةوتفصيلا. وهناك دول لم يوافها "الحظ" سوى مرة واحدة. وعلى وجه الإجمال، فان الموقفالشعبي المناهض للإرهاب، كان عاملا حيويا للغاية في نجاح الإجراءات الأمنية التيحالت دون تكرار تلك الحوادث.
صحيح أن الأجهزة العربية صارت تتمتع بسلطات جديدة وهي لا ترغب بالتخلي عنها، إلاانه من الصحيح أيضا أن هذه الأجهزة لم تعثر (في أعمال التنصت على الأقل) إلا علىشعب طيب، معظمه "يمشي الحيط الحيط، ويقول يا رب الستر".
وهذا يعني أن أعمال مكافحة الإرهاب لم تجد الكثير لتعمله أصلا. وفي القليل الذيتمكنت منه، فقد سجلت نجاحا ملحوظا. ونحن "نشكرها" عليه، رغم علمنا إن هذا النجاحانطوى، وما يزال ينطوي، على الكثير من الانتهاكات والتعديات على الحقوق والحرياتالعامة.
ولكن ما لا يلاحظه العامة والخاصة، هو أن هناك خطرا آخر أكثر كلفة من الإرهاب هوما يتجاهله الجميع.
أعمال القرصنة، والهجرة غير الشرعية، وارتفاع معدلات الجريمة، وتفشي التوتراتالطائفية، وزيادة معدلات الأمية، وارتفاع البطالة بين الشباب، والتراجع المتواصللمكانة الفن والأدب والثقافة (رغم كثرة المهرجانات)، وتداعي الجدران الحقوقيةالقليلة التي كانت تحمي المرأة، والبروز المخيف لتجارة البشر والمخدرات والدعارة،واتساع ظاهرة عمالة الأطفال، كلها تدلُ على حالٍ من التفسخ الاقتصادي والاجتماعيوالأخلاقي غير مسبوقة بالمرة. وهي أخطر من الإرهاب، وعواقبها أكثر تدميرا.
هذا التفسخ يقدم بالأحرى مؤشرات ليس على انهيار أنظمة القيم في بلداننا العربية،ولكنه يؤشر على تفكك، بل تفسخ، نسيج العلاقات الاجتماعية أيضا، ومعه كل فرص البناءمن اجل المستقبل.
يجدر التساؤل: كيف يمكن لأمة ترتفع فيها مستويات التفسخ الى هذا الحد أن تبني أيشيء أصلا.
أي مستقبل هذا الذي يقوم على ما ننتجه اليوم من البطالة والأمية والفقر وانهيارأنظمة الحقوق والمعايير والقيم؟
حسب المرء أن يفترض أنه لو كانت حكوماتنا أنفقت من الجهد والمال لمكافحة هذاالتفسخ بمقدار ما أنفقت على مكافحة الإرهاب، لكُنّا في وضع أفضل بكثير، ولكان خطرالإرهاب قد تبدد.
ولكن، أما وأننا بقينا نركض وراء الولايات المتحدة مغمضي الأعين، فقد انتهينابتفسخ مدمر، وفوق ذلك فانه يمهد أرضية أعرض لحياة إرهابية أطول.

alialsarraf@hotmail.com هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته

No comments: