Friday, August 14, 2009

لقمة الصينية‮.. ‬والقاع العربي‮!‬


مولعون نحن في العالم العربي بقمة النظام العالمي ومن يتربع عليها ومن يتسابقون لبلوغها‮. ‬يتمني كثير منا أن تهبط الولايات المتحدة من هذه القمة وتصعد إليها دولة أو دول أخري نظن أنها ستكون أكثر إنصافاً‮ ‬لنا وعدالة تجاه حقوقنا‮.‬ ونحن نعبر عن هذا الولع بأشكال مختلفة،‮ ‬ولكن دون أن نفكر فيما يصح أن نفعله لنكون بين المتسابقين إلي القمة العالمية ولو بعد ردح من الزمن‮. ‬وهذه من شيم أهل القاع الذين تقتصر علاقتهم بالقمة علي التطلع إليها من أسفل وتمني أن يبلغها من يعاملنا بشيء من الرأفة بحالنا‮.‬ ولذلك يبدو العرب والصينيون في هذا المجال علي طرفي نقيض‮. ‬فالمسافة التي تفصلنا عنهم ربما تقاس بالسنوات الشمسية‮. ‬وربما يكون للحظ دور في ذلك بشكل ما‮. ‬وقد يعجب البعض حين يعرفون أن للأمم حظوظها الحسنة والسيئة مثلها مثل الأفراد‮. ‬فقد أدت مصادفات تاريخية،‮ ‬من بينها مثلاً‮ ‬نجاة دينج سياو بينج من مذابح‮ »‬الثورة الثقافية‮« ‬وما تلاها،‮ ‬إلي تغيير مسار الصين كلياً‮ ‬بعد رحيل ماوتسي تونج‮. ‬فقد تولت السلطة فيها قيادة عاقلة كان هو علي رأسها،‮ ‬أو بالأحري لأنه كان هو الرجل الأول فيها‮. ‬وقد أدركت هذه القيادة أن الدول المدججة بالسلاح لا تكون قوية بالضرورة،‮ ‬وأن امتلاك السلاح النووي منذ مطلع ستينيات القرن العشرين لا يغني عن بناء نظام اقتصادي ناجح والانفتاح علي العالم بدون خوف وتغيير ذهنية الانغلاق ورفض الآخر واعتباره مصدر شر وتهديد‮.‬ ولذلك لا يتحدث أحد الآن في الصين أو خارجها عن قدراتها النووية الكبيرة‮. ‬فالحديث كله منصب علي قدراتها الاقتصادية وإنتاجها الذي‮ ‬غزا العالم وحقق لها المكانة الرفيعة التي تنعم بها الآن،‮ ‬وفتح الأفق أمامها رحباً‮ ‬لأن تأخذ مكانها تدريجياً‮ ‬بين القوي الأكبر في العالم اليوم‮. ‬وحين يشعر الصينيون الآن بالفخر القومي فلأنهم يقرأون عبارة‮ »‬صنع في الصين‮« ‬في كل مكان يذهبون إليه،‮ ‬وليس لامتلاكهم سلاحاً‮ ‬نووياً‮ ‬وقدرة عسكرية هائلة‮.‬ واستغلت القيادة التي نهجت هذا المنهج خصوصية الثقافة الصينية وطابعها الجماعي وضعف النزعة الفردية فيها من أجل تأجيل الانفتاح السياسي الداخلي‮.‬ تعاملت‮ »‬الصين الجديدة‮« ‬مع العالم كما لو أن لا سلاح لديها ولا قدرة نووية تمتلكها،‮ ‬مدركة أن القوة العسكرية لم تعصمها من الوصول إلي حافة الكارثة حتي صارت مهددة بانهيار شامل عشية رحيل ماوتسي تونج‮. ‬فقد تولي خلفاؤه حكم دولة متمكنة عسكرياً‮ ‬ولكنها شديدة الهشاشة‮.. ‬دولة متخلفة تمتلك سلاحاً‮ ‬متقدماً‮ ‬كان يمكن أن تدمر به نفسها لو كان الفقر والفساد تواصلاً‮ ‬وازداد نخراً‮ ‬في عظام مجتمع دخل حينئذ في طريق مسدود‮.‬ وبدلاً‮ ‬من أن تخيف الصين جيرانها بقوتها العسكرية وقدرتها النووية،‮ ‬أصبحت تغزو العالم كله صباح مساء بمنتجاتها اللانهائية التي تعبر عن قصة نجاح اقتصادي هي أكبر وأهم مقومات قوتها الشاملة الآن‮. ‬وأصبح في إمكان الصينيين أن يصنعوا مجد أمتهم العظيمة بالعمل المنتج والاقتصاد المتقدم والإنتاج الغزير وليس بالقوة العسكرية والقنبلة النووية‮. ‬لم يعد الصيني في حاجة إلي القدرة النووية التي تمتلكها بلاده،‮ ‬ولا إلي تهديد جيرانه،‮ ‬لكي يشعر بالقوة والفخر والعزة لأنه يحقق النصر في كل يوم‮ »‬تغزو‮« ‬سلع دولته وخدماتها وأبناؤها أرضاً‮ ‬جديدة،‮ ‬ويظهر فيه ضعف الآخر أمام قدرته علي العمل والإنجاز والنجاح والتفوق والحضور القوي الفاعل المؤثر في قلب العالم‮.‬ وهذه هي القوة الحقيقية التي لا نعرفها نحن العرب المفتون معظمنا بقوة من نوع آخر لم تعصم دولة عظمي من الانهيار ولم تعتمد علي مثلها الدول الكبري الصاعدة بثبات واقتدار إلي قمة النظام العالمي‮.‬ مفتونون نحن بالقوة العسكرية والسلاح‮. ‬وليس هذا نقصاً‮ ‬في عقولنا أو ضعفاً‮ ‬في إدراكنا فقط،‮ ‬وإنما هو نتيجة أيضاً‮ ‬لنقص الشعور بالكرامة والعزة والفخر والكبرياء،‮ ‬في الوقت الذي يحول جمود نظم الحكم العربية دون توفير المقومات اللازمة لتحقيق تطور ديمقراطي وازدهار اقتصادي ونجاح علمي وتكنولوجي وتقدم معرفي وثقافي‮. ‬ولو أن شيئاً‮ ‬من هذا يتحقق في بعض بلادنا العربية،‮ ‬لنشأت أجيال تفخر بما لديها من حرية وبقدرتها علي المشاركة في تحقيق التقدم والازدهار لنجاح بلادها في تقديم نموذج يشار إليه بالبنان‮.‬ أما حين لا يجد الإنسان العربي ما يعتز به علي صعيد البناء الاقتصادي والبحث العلمي والتراكم المعرفي والمشاركة السياسية والإبداع الحر،‮ ‬فليس لنا أن نلومه حين يفكر بطريقة أهل القاع‮. ‬فمن حكمت عليه الأيام بأن يبقي في‮ »‬السبنسة‮«‬،‮ ‬لا لوم عليه إذا صار ملتصقاً‮ ‬بالقاع قانعاً‮ ‬به‮.‬
http://www.alwafd.org

No comments: