Friday, April 17, 2009

التعامل العربي مع التدخلات الايرانية

دعا وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في مجلس وزراء خارجية الدول العربية الى اتخاذ موقف عربي مشترك تجاه التحدي الايراني. وحدد جهات التحدي والخطر من جانب ايران بالمسائل التالية: الملف النووي، وأمن الخليج، والتدخلات في العراق ولبنان وفلسطين. وبعد اسبوع على ذلك، أعلن وزير الخارجية المغربي الفاسي الفهري عن قطع العلاقات الديبلوماسية مع ايران. وحدد لذلك ثلاثة أسباب: ردة الفعل الإيرانية غير الملائمة على احتجاج المغرب على التصريحات الايرانية بشأن البحرين. وتدخل ايران (وجهات عربية) في النزاع بشأن الصحراء لصالح «البوليساريو»، وعمل ايران للإضرار بالهوية الدينية الموحدة للمملكة المغربية.
وهناك فرق بالطبع بين الأمرين. فالوزير المغربي اعتبر المشكلات مع ايران «ثنائية»، بينما رأى الفيصل في تصرفات ايران في المسائل التي ذكرها مشكلة عربية عامة، ودعا الى مواجهتها. بيد ان الملحوظ وجود مشترك مهم هو التدخل الايراني في الحالين. وإذا استعرضنا مسائل الهواجس والقلق بدقة، فإن المشتركات تتزايد بحيث يتجاوز الأمر الثنائيات الى العام العربي. فالملف النووي الايراني الذي يشكو منه الأوروبيون والأميركيون والاسرائيليون، كان وما يزال مبعث قلق لدول الخليج والمشرق بسبب آثاره البيئية، تضاف إلى ذلك التهديدات الايرانية بالصواريخ تارة للأميركيين وطوراً للخليجيين. وقد كان الايرانيون يصرون علناً على سلمية برنامجهم النووي، دونما إبداء استعداد للتفاوض بشأن الآثار البيئية على الجوار. لكنهم في الاتصالات السرية الثنائية والشاملة كانوا يستغربون التخوف من البرنامج الايراني، والتسليم بالسلاح النووي الاسرائيلي القائم بالفعل. وكان محدثوهم العرب يجيبون بأنهم غير مسلّمين بالسلاح الاسرائيلي، وانهم يطالبون بمنطقة خالية من سلاح الدمار الشامل، وأنهم يأملون ان تكون المسألة النووية الاسرائيلية من ضمن مسائل الحل الشامل. ثم انقطع كل حديث تقريباً، خلال العامين الماضيين، الى ان دعت السداسية المتعاملة مع الملف النووي الايراني (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن زائداً المانيا) العرب في أواخر عهد بوش الى المشاركة في اجتماع لبحث تطورات الملف. وقد استغرب بعضنا ذلك في حينه، لكن محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، طالب العرب في مقابلة مع جريدة «الحياة» ان لا يغيبوا بعد الآن عن اجتماعات السداسية، ليس لأن النووي الايراني يعنيهم وحسب (باعتبار ان اي صراع به أو عليه سيتم على أرضهم وأجوائهم)، بل لأن الصفقة التي يجري التفاوض عليها مع ايران من جانب الغرب، تدخل فيها مساومات قد تكون ضمنها مبادلات تضر بالمصالح العربية.
وإلى جانب النووي ذكر الأمير سعود الفيصل أمن الخليج، والذي ينبغي ان تكون فيه شراكة بين الخليجيين وايران. لكن في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد احتلال العراق، هناك تخاطب من فوق السطوح، وتهديدات بين ايران والولايات المتحدة. وقد تصادم الطرفان أحياناً بالزوارق والسفن الحربية. وتهدد ايران كل اسبوع تقريباً بسد مضيق هرمز إذا أساءت اليها أميركا! وقبل شهرين ذهب مفوض الأمن القومي العراقي الى طهران ليعرض عليها اتفاقية بشأن أمن الخليج! والطريف ان ايران رحبت، لكنها عرضت توسيع الاتفاقية بحيث تضم دول الخليج الواقعة على «الخليج الفارسي». وهكذا فهناك تلاعب ايضاً بأمن الخليج، وينبغي التنبه والحذر. ثم ذكر وزير الخارجية السعودي التدخلات الايرانية في العراق ولبنان وفلسطين. وقد أحدثت هذه التدخلات اضطرابات في البلدان الثلاث، وأحدثت انشقاقات أو شجعت عليها. والمعروف انه بعد المؤتمر العربي والدولي لإعمار غزة والذي عقد في مصر، استدعت ايران دولاً وجهات ثورية عربية الى طهران لدعم غزة ايضاً. وهناك لم يتحدث أحد عن إعمار غزة، بل عن تحرير فلسطين، وفتح معبر رفح! ومن طهران شحنت ايران الوفود الى الخرطوم لدعم الرئيس عمر البشير في وجه المحكمة الجنائية الدولية. وهكذا فهناك رهانات ايرانية على الانقسامات العربية التي أحدثتها أو غذتها، ومع كل أزمة أو مشكلة تحضُر دولة الثورة الاسلامية للتأجيج والاستفادة.
ما معنى ما قاله وزير الخارجية المغربي عن اسباب قطع العلاقات مع طهران؟ ذكر الفاسي الفهري إهانة وزارة الخارجية الايرانية للقائم بالأعمال المغربي في طهران بسبب موقف المغرب من التصريحات الايرانية المتعلقة بمملكة البحرين. وذكر سبباً آخر أهم هو تدخل ايران في ملف «البوليساريو» والصحراء الغربية، بمعنى ان الجمهورية الايرانية رأت ان تقف الى جانب «البوليساريو» في مساعيها الطويلة الأمد لفصل الصحراء عن المغرب. ثم ذكر الوزير المغربي مسألة ثالثة غريبة بعض الشيء حول تأثير التدخل الايراني على الوحدة الدينية في المملكة المغربية. وكانت تقارير كثيرة تحدثت في الأشهر الأخيرة عن نشر المذهب الشيعي في المغرب والجزائر. والمعروف ان الشيخ يوسف القرضاوي كان قد ذكر في مداخلته قبل أشهر مسألة «التشييع» في مصر والمغرب.
ولنعد الى الافتراقات والمشتركات في كلام الوزيرين السعودي والمغربي. هناك مثلاً مسألة «التشيُّع المذهبي» لدى الوزير المغربي، وهي التي غابت في حديث الوزير السعودي أمام الجامعة العربية. وقد تكون تلك المسألة حقيقية، وهي تسهم في خلق أقليات دينية تصبح مشكلة مع الوقت في مجتمعات موحدة الهوية لهذه الناحية. بيد أن الذي أراه الأخطر هو التدخل السياسي أو التشيع السياسي. بمعنى أن أطرافاً سياسية عربية رسمية أو شعبية صارت تجد في طهران مرجعية في قضايا كبرى مثل قضية فلسطين ووحدة العراق ووحدة الدولة اللبنانية. وقد تكون تلك الجهات في موقع المعارضة في بلدانها، فتتحول تلك الجهة، أو الجهات، إلى أداة لطهران أو لغيرها ضد النظام القائم. وقد جربنا ذلك بالفعل وفي البلدان الثلاثة التي ذكرها سعود الفيصل في السنوات الأخيرة، فـ «حزب الله» - وبدعم مباشر من طهران - أقام دويلة على حاشية الدولة اللبنانية وفي قلبها. والوضع هش ومتجمد في لبنان الآن، لكنه قد يعود الى التردي إذا رأت طهران الضغط بواسطة «حزب الله» أثناء مفاوضاتها مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. والوضع متخثر بالعراق، وطهران داخلة في كل التلافيف والتفاصيل، ولا أحد يدري كيف سيكون عليه الحال بعد عام عندما يبدأ الأميركيون بالانسحاب من ذلك البلد. بل نحن لا ندري إذا لم تعمد الولايات المتحدة في مفاوضاتها مع إيران إلى «الاعتراف» بمصالح إيران في العراق، فيتحول الأمر إلى مشكلة لا تنتهي. بيد أن الجرح الملتهب الآن يتركز في فلسطين، حيث تحاول «حماس» الاحتفاظ بعلاقاتها مع طهران (والتي كانت الأساس في حرب غزة الأخيرة)، وفي الوقت نفسه التصالح مع منظمة التحرير ومع مصر. وقد جاء مؤتمر طهران الأخير فركز من جديد على «معبر رفح» متعمداً دق أسفين بين مصر و «حماس» لمفاقمة المشكلة ولكي تكون بين الفلسطينيين ومصر، وليس بين الفلسطينيين وإسرائيل!
والواقع أن للمشكلة جانباً آخر اضطر وزير الخارجية المغربي لذكره عندما قال إن المغرب ومليكه يترأسان لجنة القدس ويعملان من أجل القضية. وهذا يكشف الجانب الذي لم يعد مستوراً في الاستراتيجية الإيرانية، والقائمة على رفع راية فلسطين، من أجل تبرير التدخلات في سائر الدول العربية، إذ تتركز الحملات الإعلامية من جانب طهران وأنصارها على أن العرب أهملوا قضية فلسطين، وأن إيران هي حاملة الكفاح من أجل تلك القضية الكبيرة التي لا تريدها طهران أن تبقى عربية، بعد أن عمد أردوغان أيضاً الى مجاذبة طرف الثوب ذاك!
وفي الخلاصة: هناك مشتركات عربية كثيرة في ما يتعلق بالتحدي الإيراني ومن جهات عدة: التدخلات الفعلية من خلال الأنصار المذهبيين والسياسيين، والتدخلات الايديولوجية من خلال رفع راية القضايا العربية باعتبارها قضايا اسلامية تقودها إيران، والتدخلات الاستراتيجية من خلال جمع الأوراق في سلة طهران (وأكثرها أوراق عربية)، وعرضها على الولايات المتحدة من ضمن جدول أعمال التفاوض المنتظر.
وفي وجه هذه التدخلات المستمرة والمتفاقمة، يعرض الملك عبدالله بن عبدالعزيز مبادرة التضامن والمصالحة العربية، كي تكون هناك خطة عربية لمواجهة التحديات الخارجية والاقليمية. وقال عمرو موسى، أمين عام الجامعة العربية، إن هناك عقبات لا تزال قائمة في وجه المصالحة. وربما قصد استمرار بعض الدول العربية في الانحياز لطهران على حساب المصالح العربية العليا. وهذه أمور ما كان يصح أن تحدث، سواء لجهة الانحياز لطهران أو لجهة الاختلاف مع إيران اصلاً، لكن إدارة الجمهورية الإسلامية في عهد الرئيس نجاد اختارت الصراع ودعم كل العرب الذين يقفون إلى جانبها في وجه مصر والسعودية. ولذا لا بد من وقفة جماعية عربية من أجل صون قضايانا والحفظ على وحداتنا الوطنية ومصالحنا المشتركة.
رضوان السيد - صحيفة الحياة

No comments: