Tuesday, June 2, 2009

الأمة الإسلامية الصاعدة.. معالم وشروط

الأمة الإسلامية أمة منصورة ومرحومة، وهي خير الأمم وأفضل أجيال الإنسانية على الإطلاق، كما أنهم أكثر أهل الجنة، وذلك لأنها آمنت بخاتم النبيين؛ وسيد المرسلين.
وقد حفظ الله لها دينها بحفظ كتابها، فهي الأمة الوحيدة التي يحفظ الملايين من أبنائها الكتاب الرباني الذي أنزله الله _تعالى_ على نبيه، وهذا ما لم يكن في أي أمة مضت، وببقاء طائفة من أهل الحق ظاهرين في كل الأزمان إلى قيام الساعة، وبظهور المجدد في كل قرن من تأريخها الدنيوي.


والمتأمل في فضل هذه الأمة وتميزها على غيرها من الأمم ينمو في قلبه الثقة بظهور الدين، وعدم اليأس من النصر مهما كانت قوة الأعداء.

وفي هذه الأيام _ بالذات _ نجد تنامياً ملاحظاً في الأمة، وعودة صادقة إلى دينها وعقيدتها، فقد سقطت كل الشعارات والمناهج والمذاهب التي حاربت الإسلام زمناً طويلاً في بلاد المسلمين، فهذه القومية سقط جناحها الناصري بعد النكسة عام 1967م، وتكلّس جناحها الآخر (حزب البعث) ثم سقط تماماً بعد الحرب الأخيرة.
والعلمانية سقطت بعد ذلك بشهادة دهاقنتها في العالم العربي، فهذا الدكتور عادل ظاهر يقرر ذلك في كتابه الأخير (الأسس الفلسفية للعلمانية)، وأصبح الجميع _ بما في ذلك الغربيون _ يصرحون دون مواربة أن هذا وقت صعود الإسلام للقيادة من جديد.
ولعل من لطائف أقداره _تعالى_ أن يكون رأس حربة العداء للإسلام في العالم (أمريكا) أحد الأسباب في سقوط هذه التيارات الفكرية التي تأسست لها نظم سياسية وتعليمية وثقافية واجتماعية في بلاد المسلمين من حيث يريدون أو لا يريدون.
لقد شعر الغربيون هناك أن وكلاءهم لم يعودوا قادرين على إدارة المعركة مع الطائفة الناجية المنصورة، فأرادوا القيام بهذا الدور بأنفسهم وبشكل مباشر.
ولشعورهم بالخطر، احتياطاً للسنوات القادمة أُسس "مشروع القرن الأمريكي الجديد"، وهو مركز أبحاث أمريكي أنشئ في عام 1997م، ويعد أكبر المعاقل المعبرة عن مواقف "المحافظين الجدد" الذين كانوا وراء تغير الاستراتيجية الأمريكية، وكانت سبباً في الحروب المتكررة، والتخطيط لتغيير خريطة المنطقة سياسياً، ثم يتبعها التغيير الثقافي والفكري والاجتماعي.

وهذا التطور في الحرب على الإسلام كان من أسباب اليقظة الشعبية الإسلامية، والشعور بضرورة العودة إلى الإسلام وبناء الحياة عليه.
فنحن أمام مفصل تأريخي ونقطة تحول ومفترق طرق في حياة أمتنا الإسلامية؛ وهي راغبة في العودة إلى الله _تعالى_ لا تبغي به بديلاً.
ولكن النهضة والصعود والعودة الصحيحة بحاجة إلى مشروع تفصيلي مأخوذ من نصوص الوحيين وهدي سلف الأمة؛ وعلمائها الصالحين.

وهذه بعض "المعالم" في نهضة الأمة، وصعودها ونُبَذ متفرقة، وخواطر متنوعة وأساس النهضة أن تكون راشدة على السنة والجماعة، فالسنة سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تركها غرق، وهي الإسلام الصافي، وأهلها هم نقاوة المسلمين، والجماعة ووحدة الصف هو أساس الانتصار والبناء، والخلاف شرٌ كله، وسبب في الفشل، وذهاب الريح.
وإضافة إلى إحياء العلم الشرعي، والتربية الإيمانية للأسر المسلمة على قيم الإسلام، وآدابه، وتأريخه، وحضارته؛ فيمكن أن نذكر بعض المعالم التي تناسب المرحلة؛ فمنها:

1- تجديد الخطاب الإسلامي وتحسينه ليتوافق مع ظروف المرحلة، وأصل ذلك أن كل نبي يبعث بلغة قومه، ومن المعاني الدقيقة لهذه اللغة، استعمال الأساليب والقوالب والصيغ المقنعة، وحسن العرض وقوته وجزالته، ووضع الحلول، وكشف الداء والدواء.

2- العناية بالإعلام، والمشاركة الإيجابية فيه، ورسم المنهج الشرعي للإعلام، فالإعلام أصبح يدخل في كل بيت، فلا بد من مخاطبة كل الناس في كل مكان.

3- الحرص على دعوة المرأة ، وبناء الأمة اجتماعياً؛ لأن الأمة مستهدفة في بنائها الأسري.

4- إحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمفهومها العام، ورسم الدورات التدريبية للمحتسبين للقدرة على التأثير في المجتمع بصورة مقبولة.

5- المبادرة إلى إنشاء المراكز والهيئات في القضايا الحساسة المعروضة عالمياً للمناقشة، مثل: حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، والثقافة، والشباب، والتنمية، ووضع تصور شرعي حول هذه القضايا، وبرنامج عملي موافق لأحكام الشريعة الإسلامية؛ لأن هذه القضايا مفروضة على الواقع وإن لم يقم بها أهل الحق قام بها غيرهم.

6- إبراز قوة الشريعة الإسلامية في ضبط حياة الناس، ووضوح قواعدها وانضباطها، والاطلاع على القوانين المعاصرة، وبيان تميز الشريعة عليها من حيث الربانية، والانضباط، والشمولية في معالجة قضايا الأمة.

لأن العالم الغربي اليوم يضغط على الحكومات بشتّى القوانين الجاهلية بحجة عدم وجود قانون منضبط محدد، وهذا الاعتراض يأتي بحجة العدالة وحقوق الإنسان، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن اتصال العالم الإسلامي بالآخر الكافر فرض أنماطاً جديدة من التعامل بحاجة إلى معرفة أحكام الشريعة فيها، وإلا فإن لجان التحكيم في القضايا المعاصرة ستكون بديلاً للقضاة الشرعيين تحت ضغط الخبرة والإطلاع على الأنظمة والقوانين المعاصرة، وهذا خطر عظيم على مستقبل تطبيق الشريعة الإسلامية في بلاد المسلمين، وتجاوز هذه المشكلة يكون بما تقدم ذكره.

وأهم قضية في الصعود هو تجاوز الخلافات الشخصية، والأطر الحزبية الضيّقة، وحسن الظن بعموم المسلمين، والتشاور والتربية الاجتماعية، وبناء المؤسسات العلمية والدعوية والثقافية والاجتماعية؛ لأننا في عصر التكتلات والمؤسسات المتعددة الجنسيات، وإذا أخلصنا لله _تعالى_، وسنة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، واتخذنا الأسباب مع التوكل على الله _تعالى_، وابتعدنا عن آفات الأمم الأخرى فإن النصر آتٍ _بإذن الله تعالى_، والمخالفات الشرعية الموجودة في المجتمع إذا اجتهدنا في إصلاحها، فإن الأمة قريبة _ولله الحمد_، برأيه، فلا يزال في الأمة خير كثير، فأمة محمد _صلى الله عليه وسلم_ إلى خير، والواقع يشهد بذلك، وهي بحاجة إلى ترشيد وإصلاح وتوجيه وإخلاص واجتناب للأهواء المضلة والشهوات المحرمة.
يقول رسول الله _صلى الله عليه وسلم: "مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره" رواه أحمد والترمذي بسند حسن
عبدالرحيم السلمي

No comments: