Thursday, July 2, 2009

أحمدي نجاد‮.. ‬وحسن التهامي‮: ‬ثورية ودروشة‮!‬


ما أصعب أن تكون خصماً‮ ‬انتخابياً‮ ‬أو سياسياً‮ ‬لرجل مثل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد،‮ ‬وخصوصاً‮ ‬في بيئة سياسية تهتم بصفات الأشخاص وسلوكهم أكثر مما تعني بسياساتهم ومواقفهم‮.‬ فليس هناك أكثر صعوبة من أن يجد مناوئو نجاد عيباً‮ ‬جسيماً‮ ‬في سلوكه الشخصي،‮ ‬وهو الذي يقدم نموذجاً‮ ‬نادراً‮ ‬للاستقامة الخلقية والترفع بل الزهد بشكل ما‮.‬ وبالرغم من أن سياساته التي تميل إلي التطرف ولا تخلو من مغامرة توفر مجالاً‮ ‬واسعاً‮ ‬للطعن في جدواها،‮ ‬فقد بحث خصومه طويلاً‮ ‬عن عيب في شخصه أو نقيصة في سلوكه‮. ‬ولما أعياهم البحث،‮ ‬اهتدوا إلي قصة ظنوا أنها تنال منه وتضعف موقفه وتدفع إلي التشكك في سلامة قدرته العقلية‮. ‬فقد نُقل عنه قوله ذات يوم أنه حين وقف خطيباً‮ ‬أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة،‮ ‬رأي هالة خضراء فوقه زودته بقوة هائلة وحفزت المستمعين علي التجاوب معه بأضعاف ما كان متوقعاً‮ ‬أو محتملاً‮.‬ وتذكرنا هذه القصة بما كان ىُروي عن السيد حسن التهامي،‮ ‬وهو أحد الضباط الأحرار،‮ ‬وكان قريباً‮ ‬من الرئيسين الراحلين جمال عبدالناصر وأنور السادات،‮ ‬ولعب أدواراً‮ ‬بعضها كبير وخصوصاً‮ ‬في عهد السادات الذي اعتمد عليه في الاتصالات الأولية التي مهدت إلي مبادرته بزيارة القدس المحتلة وما أدت إليه من مفاوضات قادت إلي توقيع أول معاهدة سلام بين دولة عربية وإسرائيل‮.‬ وتقول القصة إن الشيخ الخضر كان يظهر للتهامي من وقت إلي آخر حاملاً‮ ‬بشري بأمر أو آخر‮. ‬وقد روي د‮. ‬بطرس‮ ‬غالي بعض نوادر التهامي التي تدخل في هذا الإطار حين كانا عضوين في الوفد الذي رافق السادات إلي منتجع كامب ديفيد في المفاوضات التي أجريت في سبتمبر‮ ‬1978‮ ‬وأثمرت اتفاق إطار من جزءين قاد أحدهما إلي معاهدة السلام مع إسرائيل في‮ ‬26‮ ‬مارس‮ ‬1979‭.‬ ولكن شتان بين شيخ التهامي الأخضر وهالة نجاد الخضراء،‮ ‬فكان شيخ التهامي مادة للتندر عليه،‮ ‬ولكنها لم تستخدم للنيل منه بشكل مباشر،‮ ‬بخلاف هالة نجاد الخضراء التي سعي خصومه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت في‮ ‬12‮ ‬يونيو إلي استغلالها في محاولة لإضعاف مركزه والتأثير في صورته ودفع قطاعات من الناخبين المترددين إلي عدم التصويت في مصلحته‮.‬ ولكن نشر قصة هالة نجاد الخضراء علي أوسع نطاق،‮ ‬مصحوبة بتسجيل صوتي لتأكيد صحتها،‮ ‬لم يؤد إلي النتيجة التي تترتب عليها في العادة وهي شيوع الاعتقاد في أن قدرته العقلية ليست علي ما يرام،‮ ‬أو أنه علي الأقل‮ »‬درويش‮« ‬لا يصح أن يكون موقعه علي رأس دولة ومكانه في مقر رئاسة جمهورية‮.‬ وربما نسي الإصلاحيون في إيران،‮ ‬أو تناسوا،‮ ‬أن الأيديولوجية الأصولية الخومينية التي يؤمن بها كثير من الإيرانيين تنطوي علي مكونات مفارقة للواقع علي نحو يجعل مثل هذه الروايات مفهوماً‮ ‬في سياقها‮. ‬ومن أهم هذه المكونات مبدأ الخلاص المهدوي،‮ ‬الذي يقوم علي أن تغيير العالم إلي الأفضل عبر وسائل من بينها الثورة الدائمة إنما يمهد لظهور إمام الزمان الغائب أو الإمام المعصوم وفقاً‮ ‬لعقيدة الشيعة الإثنا عشرية‮.‬ فالنظام السياسي الإيراني الحالي قائم،‮ ‬في الأساس،‮ ‬علي هذا المبدأ،‮ ‬وما المرشد الأعلي أو الولي الفقيه إلا نائب عن الإمام الغائب‮.‬ وبالرغم من أن نظاماً‮ ‬هذه حاله يبدو كما لو أنه من مخلفات العصور الوسطي الثيوقراطية،‮ ‬فهو ليس كذلك في واقع الأمر‮. ‬فالمكون المهدوي الميتافيزيقي القوي في النظام السياسي الإيراني يرتبط بمبدأ آمنت به الثورات الحديثة في معظمها،‮ ‬بما في ذلك أكثرها علمانية مثل الثورات الماركسية،‮ ‬وهو مبدأ الخلاص‮.‬ ولا يختلف الخلاص المهدوي في الجوهر عن الخلاص الطبقي من حيث إن كلا منهما يهدف إلي تغيير العالم نحو الأفضل،‮ ‬فالمشترك بين مختلف الثورات الكبري المعاصرة هو العالم الأفضل الذي ظل حلماً‮ ‬لغير قليل من الفلاسفة وأهل الفكر وما أنتجوه من‮ »‬يوتوبيات‮« ‬علي مر التاريخ‮.‬ ولما كان الخلاص في نظرية الخوميني وثورته يرتبط بالمهدي الغائب،‮ ‬فليس في كلام أحمدي نجاد عن هذا المهدي تصريح أو تلميح ما يؤخذ عليه‮. ‬فهذا رئيس منسجم مع نفسه وقناعاته وأيديولوجيته،‮ ‬ولا يخجل من التعبير عما قد يراه آخرون‮ ‬غريباً‮.‬ وربما يجوز القول إنه حتي الآن،‮ ‬وإلي إشعار آخر،‮ ‬يظل حديث نجاد عن هالة خضراء ترمز إلي رعاية المهدي له أقرب إلي وعي أغلبية الإيرانيين من أعلام خصومه الخضراء التي حاولوا أن يحملوها رمزاً‮ ‬لثورة ملونة جديدة لم تتوفر مقوماتها بعد في بلد يتفاعل فيه الصراع من أجل التغيير،‮ ‬ولكن هذا التغيير الذي يبقي تحت سقف الجمهورية الإسلامية،‮ ‬لن يتجاوز الانتقال إلي مرحلة ما بعد الخومينية التي يحاول نجاد تجديد شبابها‮.‬ وهكذا تبدو المسافة شاسعة تقاس بالسنوات الضوئية بين دروشة حسن التهامي المنبتة الصلة بالواقع وثورية أحمدي نجاد التي لا تبعدها المثالية المهدوية عن الواقع وإنما تربطها به علي نحو ربما يصعب فهمه خارج إيران‮

No comments: