Friday, June 12, 2009

الحقيقة الدولية – القاهرة – مصطفى عمارة 9.6.2009

كشف عالم جيولوجي مصري أن الحرب القادمة ضد مصر ستكون حرب المياه، خاصة أنها تخسر سنويا ما لا يقل عن 10 مليارات متر مكعب من حصتها من المياه.

وأكد العالم الجيولوجي المصري الدكتور رشدي سعيد، أن حصة مصر الكبيرة من مياه النيل لم تعد مضمونة، مما يعرض مصر للدخول في حرب مياه في المرحلة القادمة، خاصة بعد سعي بعض الدول لتعديل اتفاقية تقاسم مياه النيل الموقعة منذ عام 1929، ووجود الأطماع الصهيونية في مياه نهر النيل من خلال بعض الدول المطلة على النهر.

وكانت مصر رفضت الشهر الماضي التوقيع على اتفاقية الإطار التعاوني لدول حوض النيل التي كانت أعدت للتوقيع النهائي عليها في اجتماع وزراء الموارد المائية لدول حوض النيل العشر الذي انعقد في عاصمة الكونغو الديمقراطية كنشاسا الشهر الماضي.

ويرجع الدكتور سعيد، رفض مصر للتوقيع على اتفاقية الإطار التعاوني لدول حوض النيل الى عدة بنود جاءت في الاتفاقية كان من أهمها عدم تضمين البند 14 من الاتفاقية والخاص بالأمن المائي نصا صريحا يضمن لمصر حقها التاريخي في الحصول على حصتها الحالية من مياه النيل، كما اعترضت مصر أيضا على عدم تضمين الاتفاقية نصا يلزم دول الحوض بالالتزام بشروط البنك الدولي عند القيام ببناء المشروعات او السدود على النهر التي تتطلب الإعلان واخذ رأي وموافقة دول الحوض قبل القيام بها، كما طلبت مصر القيام بتعديل الفقرتين (أ، ب) من المادة 34 من الاتفاقية بحيث لا يتم اتخاذ أي تعديل في الاتفاقية إلا بالإجماع او على الأقل بحيث يتضمن صوتا واحدا على الأقل من دولتي المصب وهما مصر والسودان وذلك تجنبا لإمكان استخدام أغلبية دول المنبع لتمرير ما يمكن ان يضر بمصالح دولتي المصب.
ويضيف الدكتور سعيد ان إعداد هذه الاتفاقية اخذ من الوقت قرابة 12 سنة فقد بدأ الإعداد لها في عام 1997 حين اجتمعت اللجان الفنية من خبراء دول الحوض، وفي عام 2007 تم عرض ما تم الاتفاق عليه في هذه اللجان على مجلس وزراء الموارد المائية لدول الحوض وبعد مناقشات مستفيضة لم يتخذ المجلس قرارا بشأنها وان كان قد أحالها الى رؤساء الدول المعنية لحل ما لم يتمكن الوزراء من التوصل الى رأي نهائي فيها والتي جاء في مقدمتها قضية الأمن الغذائي لدول الحوض وعلى الأخص دولتي المصب مصر والسودان، وفي أعقاب هذا الاجتماع قام رئيس المجلس وزير الموارد المائية لدولة الكونغو بزيارة دول الحوض العشر قرر على أثرها عقد حفل التوقيع النهائي عليها في كنشاسا يوم 22 أيار الماضي، ولذا كانت مبادرة حوض النيل على وجه العموم ومناقشات لجانها على وجه الخصوص تحاط بالسرية وعدم الشفافية.

أطماع صهيونية

ويرى عميد معهد البحوث والدراسات الأفريقية الدكتور السعيد البدري، ان القرن الحادي والعشرين هو قرن حرب المياه وانخفاض كميات تزايد المياه وارتفاع زيادة أعداد السكان وزيادة معدلات النمو الصناعي وارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم، وبالتالي زيادة التبخر وتزايد الطلب على المياه المحددة مما يثير الصراع حولها، كما ان هناك تحديات تبرز في عدم زيادة معدلات المياه من نهر النيل وقلة سقوط الأمطار وزيادة أعداد السكان في دول حوض النيل وبالتالي زيادة دول حوض النيل في هذه الدولة.
ويشير الدكتور البدري الى ان المياه التي تنبع من أراضيها الى دول المصب لن تستفيد منها اقتصاديا، وما زالت الأطماع الإسرائيلية تغازل بعض دول حوض النيل للحصول على نقطة مياه من نهر النيل في ظل الهيمنة الأمريكية السائدة على العالم، وهو ما يتطلب مواجهة هذه التحديات والتخطيط لسياسة مائية وإقناع دول الحوض بعدم حاجتهم لكميات كبيرة من المياه وأنهم أغنياء بسقوط الأمطار عليهم ولابد من تطوير إمكانياتهم الاقتصادية في مجال إدارة الموارد المائية.

ويعترف وزير الري والموارد المائية المصري الأسبق الدكتور محمود أبو زيد، انه لا يتم استغلال سوى 4 بالمائة فقط من مياه النيل، وأن هناك عددا من التحديات التي تواجه الموارد المائية في مصر والمتمثلة في زيادة عدد السكان.
وقال الدكتور أبو زيد ان حجم المياه المتاحة للاستهلاك في مصر يقدر بنحو 68 مليارا و 700 مليون متر مكعب من المياه منها 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل ومليار متر مكعب من مياه السيول، و 6.5 مليار متر مكعب من المياه الجوفية، و 5 مليارات من مياه الصرف الزراعي، و700 مليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي، خاصة وان نسبة الاستهلاك المائي في الزراعة 85 بالمائة، والصناعة 9.5 والاستهلاك المنزلي 5.5، وان المستهدف في خطط التنمية استصلاح واستزراع 3 ملايين و 400 ألف فدان تحتاج الى مياه غير تقليدية مثل المياه الجوفية وإعادة استخدام الصرف الزراعي والصحي وترشيد استخدام مياه النيل والحد من تلوث المجاري المائية مما يعد تحديا كبيرا أمام الأمن المائي المصري في ظل محدودية الموارد المائية وتزايد الطلب والاستهلاك والتوسع الزراعي والصناعي والعمراني.

التمسك بالحقوق التاريخية

ويؤكد الخبير الزراعي المصري المهندس محمد عبد المنصف، ان مصر متمسكة بحقوقها التاريخية المكتسبة من الاتفاقيات التاريخية التي وقعتها مع دول الحوض حيث تقوم مصر بالتشاور والتنسيق مع دول الحوض العشر المسماة بـ "الاندوجو"، وقامت بدعم لهذه الدول سواء في شأن المياه أو ربط دول المنطقة بشبكة كهربائية، وتم بالفعل إقامة مشروع لتوليد الطاقة في أسوان وتوصيله لجمهورية الكونغو. أما الدول التي تشارك في نهر النيل من غير الدول الثلاث فهي زائير ورواندا وبوروندي وأوغندا وتنزانيا وكينيا فقد اتخذت بعضها إجراءات مماثلة للإجراءات الأثيوبية في الماضي، إذ أعلنت تنزانيا عدم الاعتراف باتفاقية 1929 لان الاستعمار البريطاني هو الذي وقع عليها وسارت أوغندا وكينيا في هذا الاتجاه مما حال دون تنفيذ العديد من المشروعات التي استهدفت تنمية موارد النيل من خلال الاتفاقيات العديدة بين هذه الدول ومصر كدولة مصب بشكل خاص لتنظيم الاستفادة من مياه النيل في مشروعات التنمية في هذه البلدان بعد استقلالها رغم ان هذه الدول الست لا تستخدم سوى 50 مليار متر مكعب من المياه.

تقارير ودراسات تحذر من أزمة مياه

وكان تقرير مائي مصري نشر مؤخرا حذر من خطورة أزمة المياه حيث يستهلك 1000 طن من المياه لإنتاج طن من الحبوب، مبينا أن حجم المياه المطلوب في عام 2025 سيزيد بمقدار 50 بالمائة بسبب العدد السكاني المتزايد والبحث الدائم عن مستوى زراعي أفضل.

وأكد التقرير الذي أعدته الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية، على ضرورة التشاور بين دول الحوض بشان أية ترتيبات قد تؤثر في الموارد المائية في الحاضر او في المستقبل، مبينا أن الأمر يتطلب عقد اتفاقية شاملة بين دول الحوض التسع لتحديد حصصها من مياه النيل وينطبق ذلك بشكل خاص على دول الحوض الرئيسية الثلاث مصر والسودان وأثيوبيا، خاصة وانه ليس هناك قانون دولي يحكم استخدام الأنهار المشتركة معها وليس هناك حاليا إلا تعاون محدود بين دول الحوض، وليس هناك سوى اتفاقية واحدة بين مصر والسودان في تقاسم مياه النهر عقدت عام 1959 وهناك لجنة مشتركة للتنسيق حول مياه النهر ولكن أثيوبيا لا تشارك فيها مع أنها تجتمع بشكل دوري منذ عام 1976، ولم تتوصل حتى الآن الى اتفاق بشأن استغلال عادل لمياه النهر.
ويشير التقرير الى ان اتفاقية عام 1959 بين مصر والسودان والتي جاءت اثر مطالب السودان بتعديل اتفاقية عام 1929 التي تمت تحت إشراف بريطانيا للانتفاع الكامل بمياه النيل من الاتفاقيات النموذجية في هذا الشأن، أخذت بعين الاعتبار حاجة كل منهما فضلا عن حقوقهما التاريخية في المياه واستندت الى العرف الدولي في جميع بنودها، ويحصل السودان بموجبها على 18.514 مليار متر مكعب سنويا في حين تحصل مصر على 55.5 مليار متر مكعب سنويا، وإذا أضيف إليها الفاقد المقدر بـ 10 مليارات متر مكعب سنويا لأصبح المجموع 84 مليار متر مكعب هي حقها من مياه نهر النيل بعد دخوله للأراضي السودانية

No comments: