Friday, June 12, 2009

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد : فمن منطلق المحبة والوداد أبعث هذه الرسالة التي كتبتها بمداد الحب ، وسطرتها بمداد الإخاء ..إنها رسالة خرجت من القلب لتصل إلى القلب ..منبعها الصدق ، ودافعها المحبة ، وباعثها الخوف عليك من عقوبة الله وناره ، وجحيمه وأغلاله .
أخي في الله : إن المقهى ..هو موضوع حديثي معك ..فدعنا نتحاور بصدق ..ونتكلم بتجرد ..ونتناقش بهدوء .. وإني لأرجو حينما تقرأ هذه الكلمات ..أن ترتفع بنفسك ، وتسمو بروحك ، وتزهو بأخلاقك ، وتعتز بإيمانك ، و تتذكر عظيم المسؤولية الملقاة على عاتقك.
أيها الأخ الحبيب : إن الذين أنشأوا هذه المقاهي وصرفوا عليها الأموال الضخمة ..إنما خططوا بعناية فائقة .. استغلال غريزتك المتأججة ، وشهوتك المستعرة ..فقدموا لك أنواعا من المحرمات ..وأشكالاً من المخالفات ..بدءاً من الشيشة والمعسل ..التي تصنع من الفواكه التي قد تعطنت وتلفت والتي تسبب لك الأمراض المتنوعة ..والأوجاع المتعددة..وانتهاءاً بمختلف القنوات الفضائية التي تعرض لك كل محرم ..وتقدم لك كل جديد في عالم الرذيلة والفاحشة ..ثم بعد ذلك لا يبالون أفي جنة أنت أم في نار ؟ المهم أن تدفع لهم وتساهم في نماء ثرواتهم وتضخم أرصدتهم ..أما ماذا سيجري لك عندما تلاقي ربك ..في موقف القيامة الرهيب ..فلا يهمهم هذا ولا يعينهم من قريب أو بعيد .
استمع وفقك الله إلى حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم وهو يحذرك من أمثال هؤلاء بقوله : "دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها" .
أتدري من هم هؤلاء الدعاة الذين وقفوا على أبواب جهنم ..إنهم أصحاب المقاهي ..نعم أصحاب المقاهي !! أليس فيما يعرضونه من الأفلام والمشاهد الفاضحة عبر عشرات القنوات السافلة ..دعوة صريحة لك بأن تمارس الفاحشة ؟ وتبحث عن متنفس لتفريغ الشهوة في الحرام ؟ أليس فيما يعرضونه من لقطات وصور ومقاطع إباحية جنسية تشجيع لك في تعاطي الزنى والوقوع في حبائل الرذيلة ؟
إذاً استيقظ من رقدتك..واستفق من سباتك..وتنبه إلى أولئك المجرمين..وما يدبرونه في جنح الظلام!
إن الذين أنشأوا المقاهي يهدفون إلى الثراء الفاحش..ثم لا يعنيهم ماذا يجري لك بعد ذلك !! إنهم أنانيوا الطباع ..لئام النفوس ..لا هم لهم إلا المال والمال فقط !!
أخي زائر المقهى : كم هي الأوقات الثمينة التي تمضي بلا فائدة في تلك المقاهي ..ألم تدرك بعد أن حياتك محدودة ..وأنفاسك معدودة ..فمن يفرط في حياته وعمره !؟
وهل يليق بشاب ينتسب لأمة خلقت لقيادة البشرية بأسرها ! ووجدت لتكون شاهدة على الناس كلهم ؟ أن يعيش عيش الفارغين ؟!!هل يليق بشاب ينتمي لأمة شرفت بحمل أعظم رسالة ! وحملت أثقل أمانة ! أن يحيا حياة المهملين ؟!!
إننا يا شباب أبناء قوم كانوا على أوقاتهم أشد حرصا على الدينار والدرهم ، هذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول : ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت فيه شمسه ، نقص فيه أجلي ، ولم يزد فيه عملي .
وهذا الإمام أبو يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم يُباحث وهو في النـزع الأخير من حياته بعض عُوَّاده في مسألة فقهية ، رجاء النفع بها لمستفيد أو متعلم ولا يخلي اللحظة الأخيرة من لحظات حياته من كسبها في مذاكرة علم وإفادة واستفادة !!
لقد كان أسلافنا الأوائل يُسابقون الساعات ، ويبادرون اللحظات ، ضناً منهم بالوقت ، وحرصاً على أن لا يذهب منهم هدراً .ولقد أورث ذلك نتائج أشبه بالمعجزات ، وإذا بالإنجازات قريبة من الخيال ، فحسبك منها حركة الفتوحات التي كانت على قدم وساق وخيول المسلمين التي أزكم أنوفها غبار المعارك وأعلى صهيلها الكر و الفر ، فضلاً عن خطوات في تربية وإعداد النشء الجديد ناهيك عن وثبة بعيدة المدى في التصنيف والتأليف والابتكار هكذا كانت أحوالهم يوم عرفوا قيمة الزمن ، وهكذا كانت إنجازاتهم يوم اتسعت مداركهم ونضجت عقولهم .
وإذا كان هذا تاريخ أسلافنا الأوائل وهكذا كانوا ..فإننا مطالبون بالإقتداء بهم ، وذلك باستثمار كل دقيقة وثانية من عمر الزمن نتقرب فيها إلى الله جل جلاله ونسابق إلى جنته و موعوده من خلال تربية ذواتنا ، وإعدادها حتى تكون قادرة على العطاء بلا حدود ..
البدائل عن تلك المقاهي
أخي زائر المقهى : إن البدائل عن تلك المقاهي ونحوها متاحة ، والمجالات مفتوحة لاستثمار الوقت ، وشغل الفراغ ..ولكني أنبه إلى ذلك الخطأ الفادح والأمر المشين وهو مطالبة المسلم دائما بالبدائل في كل شيء منع منه ..مع أن الواجب على المسلم أن يقول سمعنا وأطعنا (( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ )) [النور :51]هذا هو الأصل بالمؤمن فيما جاءه عن الله ورسوله من الأوامر والنواهي ، المبادرة والسمع والطاعة ،ولذلك يخاطب الله تعالى عبادة المؤمنين بأجل الأسماء وأحبها إليهم لاستجاشة قلوبهم : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ )) [الأنفال:24].
وهكذا كان الجيل الفريد ..أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من الاستجابة الحية لأوامر الله ورسوله بدون تردد ولا تلكع .. فهاهم لما نزلت آيات الخمر في تحريمه ، لم يحتج الأمر إلى أكثر من مناد في نوادي المدينة : " ألا إن الخمر قد حرمت " فمن كان في يده كأس حطمها ، ومن كان في فمه جرعة مجها،وشقت زقاق الخمر وكسرت قنانيه ..وانتهى الأمر كأن لم يكن سكر ولا خمر .. إذا لماذا كلما ذكرنا أمرا محرما طالبنا الشباب بقولهم : ما البديل ؟ وكأن القائل يقول إذا لم تحضروا لي بديلا فلن أتراجع عما أنا فيه من المخالفة والعصيان وذلك ورب الكعبة لهو الخسران قال تعالى : (( لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ )) [الرعد :18] .
ويقول سبحانه : (( اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنْ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ )) [الشورى:47]
هذا أصل يجب أن يتربى عليه الجميع ولا بأس أن أذكر بعض البدائل..فإليك أيها المبارك هذه الخيارات المتنوعة،والبدائل المتعددة لتختار منها ما يناسبك ويلائمك :
أول هذه البدائل أن تبحث عن رفقة صالحة ، وصحبة خيرة ..فإنهم العون لك بعد الله في تغير مسار حياتك وتصحيحه ..والتخلص من الشرور وضيق الصدور ..فإن صحبتك لهم ستجعلك تبحث عن الفراغ الذي يشتكي منه الكثير من الشباب ويبحث عنه الأخيار..فأوقاتهم لا تخلو من مشاريع خيرية وأعمال منجزة ويودون لو أن الأوقات تباع لاشتروا الكثير منها..ولكن هذا مما لا يمكن إدراكه !!والصاحب من أهم المهمات في البحث عنه وقد كان السبب الرئيس في موت عم النبي صلى الله عليه وسلم كافرا أصحابه الذين غروه وخدعوه حتى مات مشركا بالله تعالى ..فبادر للبحث عن أصحاب يذكرونك إذا نسيت ويوجهونك إذا أخطأت يقول الشاعر :
إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
ثانيا: حلق التحفيظ ..ما نصيبك منها ؟ تلك الحلق التي شملت الصغار والكبار ..والذكور والإناث ..وفاز بشرف اللحوق بها الكثير !! حتى حفظوا من كتاب الله ما أنار بصائرهم ..وأوسع مداركهم ..وشرح صدورهم ..وآنس وحشتهم ..وأذهب السآمة من قلوبهم ..ويكفي فخرا وعزا ..وشرفا وسموا أن أهل الحلق والقرآن هم أهل الله وخاصته !! فاحرص يا رعاك الله على المشاركة فيها .
ثالثاً : تلك الدروس العلمية ..والمحاضرات التربوية ..التي يلقيها كوكبة من العلماء النبلاء ..والدعاة الفضلاء ..بمختلف العلوم وشتى المعارف .. فيا لسعادتنا والله حينما تسمو نفوس شبابنا لنيل العلم والسعي في تحصيله ..ومن ثم العمل به وتعليمه ..ولا يقعدنك الشيطان بحيله ..فإذا به يقول لك : فمن أنت حتى تجالس هؤلاء الأخيار ؟ وتصاحب أولئك الأبرار ؟ فهذا مالك بن دينار كان تائهاً في بداية حياته شارباً للخمر ظالما جهولا ..ثم وفقه الله للهداية وسلك درب العلم والعلماء فأصبح إماماً يهتدي به الناس !! وهذا الفضيل بن عياض كان قاطع طريق ..فبينا هو يرقى داراً إذ سمع تاليا يتلو قول الله تعالى : (( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ )) (الحديد:16) فلما سمعها قال : بلى يا رب قد آن ..قد آن ..ثم اتجه إلى العلم ..فبلغ منـزلة عالية ..حتى قال عنه الإمام الذهبي في سيره : الإمام القدوة الثبت شيخ الإسلام !! فبعض هؤلاء العلماء الذين سطر التاريخ سيرهم كانوا مثلك في يوما ما ثم أصبحوا نجوما يستضيء الناس بهم ..ولم يخطر ببالهم أنهم سيصبحون كذلك !!
فسارع ـ يا رعاك الله ـ بطلب العلم وثني الركب عند العلماء وتعلم لعل الله تعالى إن رأى منك صدقا أن يجعلك للأمة منارا ، وللناس هاديا ومعلما .
رابعاً : فإن أبيت طريق الحلق ومجالس العلماء فلا أقل من أن تقضي وقتك في خدمة الوالدين ..ومشاطرتهما الأعمال ..وإدخال الفرحة والسرور بالحديث معهما ..فإن الفضل بعد الله تعالى لهما فهما أحق الناس بحسن صحبتك ..ولا تنسى صلة أرحامهما ..فاليوم لزيارة قريبك فلان ..وبعد غد لزيارة عمتك أو خالتك ..فتضع لنفسك برنامجا محددا لزيارة الأقارب ..وأبشر بسعة في الرزق ..وطول في العمر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"
خامساً : استثمار الوقت في المشاركة في المراكز الصيفية التي تعتبر مراكز هامة لاحتواء الشباب وتصريف طاقاته فيما يخدم الأمة وينفعها في مستقبلها الجديد ..ففيها تتلقى الدروس التربوية وتتعلم كيف تكون إيجابيا في خدمة أمتك ومجتمعك ، فضلا عن البرامج المفيدة لصقل المواهب وإنمائها ، واستغلال القدرات وتوجيهها ، ناهيك عن الرحلات التربوية ، حيث الترويح البريء و المتعة المباحة فاحرص على المشاركة في برامجها الهادفة ..ويا حبذا لو نشط معلمو المدارس والدعاة لإقامة هذه المراكز في أثناء الدراسة لتكون مرتعاً خصبا لهؤلاء الشباب !!
سادساً : ومن البدائل كذلك الالتحاق بإحدى الدورات المناسبة لميولك الشخصية ..ورغباتك الذاتية كدورة في الحاسب الآلي أو في الإدارة أو التجارة أو المعاهد المهنية ونحوها ..ومن ثم تستطيع أن تعمل في هذا القطاع الذي تعلمته إما في مؤسسة أو شركة أو بنفسك إن كان بالإمكان لك ذلك ..وذلك بفتح محل تجاري يناسب تخصصك الذي تعلمته .
سابعاً : ومن المجالات المتاحة أيضا عقد اللقاءات الدورية مع الزملاء والأحباب على أن لا تشتمل هذه اللقاءات على محاذير شرعية ..وأن تختار الرفقة الصالحة التي تعينك على الخير وتدلك عليه .
ثامناً : ومن البدائل كذلك المشاركة في الصالات الرياضية ..وقضاء الوقت بممارسة الرياضة بالضوابط الشرعية ..ولتكن الغاية منها إعداد النفس وتهيأة البدن لمنازلة الأعداء وبذل المهج في سبيل الله تعالى.
تاسعاً : ومن البدائل كذلك الرحلات البرية ..والمخيمات الخلوية ..تستمع من خلالها بالرمال الذهبية ..وسماء الصحو الجذاب..ونجوم الليل الباهرة ..وتقضي وقتك بمتابعة الصيد ومطاردته وذلك باعتدال وتوسط .
عاشرا : ومن المجالات أيضا المساهمة في الدعوة إلى هذا الدين وإطعام المساكين ..وقضاء حاجة الملهوفين من خلال المشاركة في المكاتب التعاونية والمؤسسات الإسلامية والمبرات الخيرية ..فيا لسعادتنا والله حينما نرى أفواج الشباب قد شمروا عن ساعد الجد فبدؤوا يجوبون تلك الأماكن زرافات ووحدانا ..كل يبدي مشاركته ..وكل يقدم موهبته ..وكل يسخر طاقته ..فكم من الإنجازات الضخمة ستتحقق ؟ وكم من المصالح للأمة ستنجز ؟
الحادي عشر : ممارسة البيع والشراء ..والضرب في الأسواق ..سواء كان بمفردك أو مع بعض الشركاء ..ومع الاستمرار والإصرار وصدق اللجأ إلى الله تعالى فإن الله تعالى يبارك المال وينميه ..ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ..وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الكسب أطيب ؟ فقال : "عمل الرجل بيده ، وكل بيع مبرور" رواه البزار وصححه الحاكم .
وأخيراً أخي الحبيب ..إن إدراكك لسر وجودك ؟ ومعرفتك للهم الحقيقي الذي ينبغي أن تحمله ..يجعلك تنقلب تماما تماما عن مجريات حياتك السابقة ..وتستقبل حياة جديدة ملؤها الخير والإبداع والتجديد ..استمع يا رعاك الله إلى همم الجيل الفريد ..جيل محمد صلى الله عليه وسلم ..يقول عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : ..بينا أنا في الصفِ يومَ بدرٍ ..إذ التفتُ فإذا عن يميني ..وعن يساري فتيان ، حديثةٌ أسنانُهما ..فكأني لم آمن بمكانِهما !! وبينا أنا كذلك !! إذ قال لي أحدُهما سراً ، حتى لا يسمعَ صاحُبه .. يا عمْ ، أرني أبا جهل ..ألا تخبرني عن أبي جهل ؟!!
فقلت : يا بُني ، وما تصنعُ بأبي جهل ؟! وما شأنكُ بأبي جهل ؟!! فقال : أُخبرتُ أنه يسبُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم واللهِ إنْ رأيتُه …لا يفارقُ سوادي سوادَه حتى يموتَ الأعجلُ منا!! يا عمْ ، عاهدتُ الله ..إنْ رأيتُه ، أن أقتلَه ..أو أموتَ دونَه!!
يقولُ عبدُ الرحمنِ بنُ عَوفْ : فما هو إلاَّ أنْ قال لي الآخر سراً ، مثلَ الذي قالَ صاحبُه!! يا عمْ ، أخبرني عن أبي جهل ، فقدْ أُخبرتُ أنّه يَسبُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم !! والذي نفسي بيده ، لئنْ رأيتُه لا يفارقُ سوادي سوادهَ ، حتى يموتَ الأعجلُ منّا !!
يقولُ عبدُالرحمن : فلم أنشبْ أن نظرتُ إلى أبي جهل ، يجولُ في الناس ..
فقلت : إلا إنّ هذا صاحِبُكما الذي تسألاني عنه !! فانطلقا إليه كالصقرين !!فابتدراهُ بسيفِيهما !!فضرباه حتى قتلاه !!!
هذه الحادثةُ العظيمة ..وهذه الواقعةُ المدهشة ..تجسدُ الهمَّ الذي كانَ يَشغلُ بالَ ذلكَ الجيلِ المعجزة ، من فتيانِ وشبابِ صحابةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم !!جيلٌ فهمِّ حقيقةَ الحياة ..وحقيقةَ الوجود .. ورُبي بعناية خاصة ..فنشأ فريداً من نوعه ..نادراً في مثاله ..يا عمْ ، أخبرني عن أبي جهل ، فقد أُخبرتُ أنَّه يَسبُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم !! لقد كانَ الهمُّ الذي يشغلُ بالَ هذين الشابينِ اليافعينِ ..أنَّ عربيداً مخموراً فاجراً ..يكنا أبا جهل !! قدَّ سبَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم !! هما لم يسمعاه !! لم يرياه !!وهو يَسَّبُ رسولَهما ..ولكنْ نُقلَ إليها !! أنَّ أبا جهلٍ ..قد تجرأ ..وارتكبَ حماقةً من حماقاتِه المتعددِة ..فسبَّ محمداً عليه الصلاة والسلام!!وذلك أمرٌ لا يُطاق ولا يُحتمل..عند من يعرفونَ قيمةَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم !! ويعرفونَ قدرْه ومنزلتَه !! فما أن علمَ الفتيان ، بحماقةِ أبي جهلٍ وجراءتِه على شخصِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتى انتفضا ..انتفاضةَ الأسد ..وحملا سيفيهِما يسابقانِ الريح ..حين سمعا بأولِ فرصةٍ للمواجهة ..يمنيانِ النفس بالثأرِ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ..وإخراسِ اللسان الذي تجرأ على النيل من شخصه الكريم ..إخراسُ ذلك اللسان إلى الأبد !! وهكذا كان!!
أخي الحبيب ..لم تكن هذه الحادثة ..بدعاً من قَصصِ ذلك الجيلِ الفريد !! فمثلُها كثير ..كُلُها تُجسدُ هموماً مشابهة !! وهموماً مماثلة !! لقد كانَ همهُم جميعاً ..الذبَ عن اللهِ وعن رسولهِ ..وحملَ هذا الدين .. إلى البشريةِ المعذبة ..التائهةِ في أوديةِ الضلالةِ والهوى !! لقد كان هذا الدين ، يَشغلُ كلَّ ذرةٍ من أحاسيسهِم وكلَّ حيزٍ من كيانهِم ..وكلَّ موضعٍ من ضمائرهِم!!فانطلقوا به إلى الآفاق ، يبلغون رسالاتِ ربهِم ويخشونه ..ولا يخشونَ أحداً إلا الله ، فنصرَ اللهُ بهم الدين ، وأقامَ بهم الملة ، وانجلتْ غربةُ الإسلام !! فهل يكون لك بهم أسوة وقدوة ؟
 
 
 
رسالة إلى الأب الحنون
أيها الأب الحنون ..والوالد العطوف ..إن من حق أبنائك عليك ..أن تعتني بتربيتهم ..التربية الإسلامية الشريفة ..تربيةَ الصحابة لأبنائهم ..واعلم ـ رعاك الله ـ أن مسؤوليتك أمام الله مسؤولية عظيمة ..وأعباءك يوم القيامة أعباء ثقيلة ..وأنت محاسب على النقير والقطمير ..فحذار يرحمك الله أن تزل قدم بعد ثبوتها !!
لقد علمت أيها الأب الحنون ما يبذله أصحاب المقاهي من جهود جبارة ..لا تقف عند حد ، ومحاولات لا تكل ولا تمل ..لانتزاع ابنك من بين يديك ..لكي يغرقوه في بحر خضم من الفتن والموبقات !! فأنت تعلم أن المقاهي ملتقى الفارغين والعاطلين وقرناء السوء ..ولطالما تمكن أولئك القرناء ..من إفساد أبناء العوائل المحافظة ..والأسر الشريفة ..بفعل الصحبة المتواصلة ..والمزاملة الطويلة ..فمن خلال تلك الصحبة ..يتلقى الأبناء دروساً في الأخلاق السيئة ..والتصرفات المريبة ..ويتعلمون قاموسا من الألفاظ البذيئة ..وعلى أيدي قرناء السوء ..يتعلم الأبناء ..فعل الفاحشة ـ والعياذ بالله ـ وممارسة الرذيلة ..وتعاطي المخدرات ..وربما كونوا عصابات للسطو على المنازل ..وسرقة السيارات وإتلافها ..ومن يزور المقاهي في الفترة الصباحية ..يتخيل أن المدارس معطلة ..خاصة في أوقات الاختبارات !!فاحذر ـ رعاك الله ـ أن تتركهم عرضة للمجرمين ..من الشباب البائسين ..ولقمة سائغة للمغرضين يقول الله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)) (التحريم:6) .
وأنت أيها الأب الحنون إذا تابعت ولدك ..وملأت وقت فراغه بمجالسته والذهاب معه في الرحلات أو حركته معك في تجارتك ..تكون بذلك قد وقفت حجر عثرة أمام مخططات أصحاب المطامع المالية ..الراغبين في إشغال شباب الأمة ..عن سر قوتهم ..ومبعث عزتهم ..وأساس نهضتهم ..وإلهائهم بالقنوات الفضائية ونحوها .
رسالة إلى صاحب المقهى
وأخيراً .. أوجه رسالة إلى صاحب المقهى آملاً أن تجد قبولا عنده ، وأن تلقى صدى في نفسه :
تذكر ـ وفقك الله للخير ـ بأنك قد أعلنت ولاءك لله تعالى ولرسوله ،حين نطقت بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ؛ وأكرم به من ولاء وأنعم به من لواء ..ومن الولاء لله ورسوله تقديم كل ما يحبه الله ورسوله وطاعتهما ..فهل بارك الله فيك بيع الشيشة و المعسل مما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم به ؟ أو مما يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؟ إذن كيف ترضى لنفسك ببيعها وترويجها؟
ولا أظنك أيضا ترضى أن تكون معول هدم لأمتك ، تجر إليها الويلات إثر الويلات فلماذا تضع تلك القنوات الفضائية والتي لا يخفى عليك ضررها العظيم على أخلاق الأمة ودينها ؟!!
ثم تصور نفسك وقد ضاقت عليك الأرض بما رحبت ، ولم تجد من ينفس كربتك ..فهذا مرض قد أقعدك ، وتلك تجارة قد احترقت !! فمن ينفس كربتك ؟ ومن يفرج مصيبتك إلا الله الذي سددت الباب الذي بينك وبينه بأكل الحرام !!إذن فدع ما أنت فيه وأطب مطعمك تستجب دعوتك .. عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ..ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك" رواه مسلم .
ولا يغرك أخي التاجر ما أنت فيه من الصحة والغنى ..فالأيام دول يوم لك ويوم عليك !! ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون !! و تذكر أن هناك آباء وأمهات وزوجات صالحات يرفعون جميعا أكف الضراعة بين يدي الواحد القهار العزيز الجبار ..يدعون على من تسبب في إفساد أبنائهم وأزواجهم وهيأ لهم أسباب الرذيلة ، وفتح لهم أبواب المعصية فراحوا يتخبطون في لجج الذنوب والخطايا..فضاعت أعمارهم ، وخسروا دينهم ، وتركوا دراستهم وأهملوا أبناءهم وأسرهم ..
فيالله كم من الدعوات في الأسحار قد دعيت عليك ؟!!
ويا لله كم من السهام في جوف الليل قد أطلقت ؟!
وكم من الاستغاثات والنداءات قد وجهت ؟!!
سهام الليل لا تخطي ولكن لها أمد وللأمد انقضاء
فاحذر يا رعاك الله من هذه الدعوات فدعوة المظلوم مستجابة وليس بينها وبين الله حجاب !!
أخي صاحب المقهى : لو أذنبت في كل يوم ذنباً واحدا ..وواحدا فحسب .. وقد أمد الله في عمرك إلى الستين فكم يا ترى ستكون ذنوبك ؟ أكثر من عشرين ألف ذنب تقابل بها الجبار جل جلاله !! فلا إله إلا الله إذا جئت يوم القيامة تحمل ذنوبك وذنوب كل الذين يمارسون الحرام في المكان الذي أعددته وهيأته ؟ كم عددهم ؟ كم ذنوبهم ؟ يقول صلى الله عليه وسلم : "من سن سنة حسنة فعمل بها كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شيئا ، ومن سن سنة سيئة فعمل بها كان عليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيئا"رواه مسلم .. فلماذا تحمل نفسك ما لا تطيق ؟! يقول الله جل جلاله : (( لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ)) (النحل:25) .
فيا أخي الكريم ـ يا من رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبينا ، تب إلى ربك ، وعد إلى رشدك ..واعلم بأنك ستعين الآخرين إذا جعلت المقهى مكانا تمنع فيه تعاطي المحرمات ..وتقتصر فيه على المباحات والطيبات ..وتزيل عنه القنوات ..وتمنع السهر إلى ساعات متأخرة ..ولا تسمح بدخول الفتية في الفترة الصباحية ..ويمكن أن تجعل من أجهزة التلفاز والفيديو وسيلة دعوية كأن تضع فيها برامج ثقافية أو محاضرات تربوية ، أو أفلاما علمية يستمتع بها المشاهد ..وقد تكون سبب هدايته يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خيرا لك من حمر النعم" فاستعن بالله ـ عز وجل ـ واعلم بأن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، والعوض أنواع مختلفة ، فإما أن يكون بمال خير من مالك الأول ، وإما أن يكون مالك مباركا ولو كان قليلا ، وإما أن يدفع الله عنك من المصائب ما لا يعلمه إلا هو ، وإما أن ترزق القناعة وغنى النفس .
وأجلُّ ما تُعوض به : الأنس بالله ، ومحبته ، وقوة القلب ، ونشاطه ، وفرحه ، ورضاه عن الله ، وطمأنينته بذكره عز وجل .
ثم تذكر الأجر المترتب على ترك هذا المقهى ، واستحضر فضائل التوبة العظيمة ، فالعبرة بكمال النهاية لا بنقص البداية .
وارفع يديك إلى ربك ، واسأله أن يعينك على نفسك ، وعلى شياطين الإنس والجن ، الذين يقفون في طريقك ، ويعوقونك عن رجوعك إلى ربك .
وإياك أن تستسلم لوسوسة الشيطان وتخويفه لك بأن رزقك سينقطع ؛ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم واستحضر بأن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ، وتذكر وقوفك بين يدي رب العالمين ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
أخي الحبيب : هذه كلمات محب لك ، مشفق عليك ، يرجو فلاحك ، ويروم عِزك ، فأسأل الله أن يلهمك رشدك ، وأن يهديك لأرشد أمرك ، وأن ييسرك لليسرى ، ويجنبك العسرى .
ألا إنها دعوة للشباب للعودة إلى ربهم ويتمسكوا بدينهم ويعتصموا بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وأن تسموا نفوسهم إلى طلب المعالي ونيل الأماني من رفع راية الإسلام فوق كل أرض وتحت كل سماء .
إلا إنها دعوة للآباء أن يعتنوا بفلذات أكبادهم وأن يبذلوا جهدهم في التربية والتوجيه والنصح والتصحيح .
إلا إنها دعوة لأصحاب المقاهي أن يتقوا الجبار ويخافوا القهار في أبناء المسلمين وأن لا يكونوا عونا لليهود والنصارى في إفساد حماة الدين ..وعماد الأمة في وقت الغمة .
ألا إنها دعوة لأصحاب الأموال أن يساهموا في إيجاد قنوات جديدة لاحتواء الشباب وقضاء وقتهم فيها وحفظهم من الفساد والضياع .
إلا إنها دعوة للدعاة والمصلحين أن يتلمسوا حاجات الشباب وأن يقفوا في صفهم وأن يتحملوا أخطاءهم وأن يسعوا بكل وسعهم لإنقاذهم من مستنقعات الرذيلة ..ونقلهم لحياض الإيمان وطاعة الرحمن ..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

No comments: