Friday, June 12, 2009

تحريم الخبائث وأثره في صحة الفرد والمجتمع

لمخدرات ... خطر داهم
التعريف :المخدر لغة من الخدر و هو الضعف و الكسل و الفتور و الاسترخاء ، يقال : تخدر العضو إذا استرخى فلا يطيق الحركة .و عرف الفقهاء المخدر _ أو المفسد _ بأنه تغطية العقل لا مع الشدة المطربة ، أي هو ما غيب العقل و الحواس من غير نشوة و لا طرب ، و ذكروا الحشيش مثالاً عليه .و الحقيقة أن هذا التعريف لا ينطبق تماماً على واقع المخدرات و الأولى أن تعرف بأنها ما يشوش العقل و الحواس بالتخيلات و الأهلاس بعد نشوة و طرب و تؤدي بالاعتياد عليها الإذعان لها .و إن ما يطلق عليه اليوم اسم المخدرات يشتمل على مواد مختلفة و متباينة في تأثيراتها و خطورتها ، منها المخدرات المكيفة كالحشيش و الأفيون و سواها ، و منها المخدرات العامة الطبية ، و منها المنومات _ المرقدات _ و المفترات …. و سنتعرض لكل منها بإيجاز مع معرفة الحكم الفقهي فيها .لمحة تاريخية :إن استخدام المخدرات قديم قدم البشرية ، و عرفتها أقدم الحضارات في العالم ، فقد وجدت لوحة سومرية يعود تاريخها إلى الألف الرابعة قبل الميلاد تدل على استعمال السومريين للأفيون ،و كانوا يطلقون عله نبات السعادة .و عرف الهنود و الصينيون " الحشيش " منذ الألف الثالثة قبل الميلاد كما ورد في كتاب صيدلية ألفه الإمبراطور " شينغ نانج " ، كما وصفه هوميروس في الأوديسا .و عرف الكوكائين في أمريكا اللاتينية منذ 500 عام قبل الميلاد ، و كان الهنود الحمر يمضغون أوراقه في طقوسهم الدينية .أما القات فقد عرفه الأحباش قديماً و نقلوه معهم إلى اليمن عام 525 ميلادي .و في أوائل القرن التاسع عشر تمكن الألماني سيدترونر من فصل مادة المورفين عن الأفيون و أطلق هذا الاسم نسبة إلى مورفيوس إله الأحلام عند الإغريق .و في المشرق الإسلامي يرجح ابن كثير أن الحسن بن الصباح في أواخر القرن الخامس الهجري _ الذي كان زعيم طائفة الحشاشين _ كان يقدم طعاماً لأتباعه يحرف به مزاجهم و يفسد أدمغتهم . و هذا يعني أن نوعاً من المخدرات عرفه العالم الإسلامي في تلك الحقبة . و يرى المقريزي أن ظهور الحشيشة كان في أوائل القرن السابع الهجري على يد " الشيخ حيدر " من جهلاء المتصوفة وكان يدعوها بحشيشة الفقراء .أسباب انتشار المخدرات :لانتشار المخدرات أسباب مختلفة منها ما يتعلق بطبيعة هذه المواد ، أو شخصية متعاطيها و الظروف البيئية و الحضارية و السياسية الاستعمارية في العالم المعاصر .نعم . لقد كان للاستعمار و مخططاته لاستعباد العالم الإسلامي و الدول النامية عموماً أثر كبير في انتشار المخدرات على نطاق واسع من أجل السيطرة عليه بشل طاقات لأمة و قتل نفوس أفرادها ، كما فعلت بريطانيا عندما شجعت على زراعة الأفيون في الهند و كما فعلت من أجل السيطرة على الصين عندما أوحت إلى عملائها بزراعة الحشيش في أراضيها و الذي مكنها من استعمارها للصين أكثر من ثلاثة قرون .و لعل أهم الأسباب الاجتماعية الظروف الصعبة في العمل و انتشار البطالة و كثرة انتشار الأفلام الهابطة التي تروج لها . و التقليد الأعمى الذي يسيطر على مراهقينا مع الفقر الذي يلجئهم للبحث عمن يعطيه أو يغنيه فيتلقفه أرباب الفساد و تجار الرذيلة .و في بحث أجراه الدكتور الطيار على مجموعة من المساجين من متعاطي المخدرات بين فيه أن المشاكل الأسرية و الخلاف بين الزوجين كثيراً ما يدفع أفراد الأسرة للجوء إلى المخدرات هرباً من الواقع المؤلم الذي يعيشونه و كذا سوء معاملة الأولاد ، أو الإفراط في تدليلهم و تلبية رغباتهم .كما يعتبر سفر أبنائنا إلى الخارج و سرعة التنقل من الأسباب التي سهلت لهم إمكانية الحصول على الجنس و المخدر بعيداً عن رقابة الأهل .كما بين أن العمالة الأجنبية هي من أخطر المصائب التي ابتليت بها مجتمعاتنا المحافظة ، حيث ينقل العمال الأجانب إلى الأسر التي يعيشون فيها تقاليدهم و عاداتهم ، فكان للعمالة الأجنبية باع طويل في تهريب المخدرات و الترويج لها .و هناك ارتباط وثيق بين انتشار المخدرات و انتشار الأمراض المنتقلة بالجنس و خاصة الإيدز فهناك حلقة مفرغة بينهما ، فتعاطي المخدرات يؤدي إلى انتشار هذه الأمراض ، كما أن الإصابة بتلك الأمراض الجنسية يغلب معها إدمان المخدرات .و الأهم من ذلك كله الخواص الدوائية للعقار المخدر و التي تسبب الاعتياد فالإدمان . فاستعمال المنومات بصورة يومية يؤدي بعد شهر إلى الإدمان عليها ، أما الهيروئين فإن استعماله المنتظم خلال أسبوع واحد يؤدي إلى الإدمان .و الحقن الوريدي للعقار أسرع في إحداث الاعتياد من تناوله الفموي ، كما أن سرعة الحصول على العقار ترفع نسبة التعاطي و الإدمان .كما أن هناك بعض الأمراض النفسية كالاكتئاب و الفصام تعتبر من العوامل الهامة و المؤهبة للإدمان .و نحب أن نشير إلى أن ضعف الوازع الديني و عدم اللجوء إلى الله في الشدائد من العوامل الهامة في إحداث الإدمان ، ذلك أن الإنسان المتدين بعيد جداً عن جحيم الاعتياد عليها إذ لا يمكن أن تمتد يده إلى المخدر لا بيعاً و لا تداولاً و لا تهريباً ، لأن طريق المخدرات هو طريق الشيطان ، و لا يمكن لطريق الرحمن أن يلتقي بطريق الشيطان .و الفراغ عند المراهق الذي لا يقدر قيمة للوقت ، و قرناء السوء من العوامل الهامة في الإدمان .و نحن نرى أن غفلة المشرّع في بعض الدول بتخفيف العقوبات الجنائية عن المدمن في حالة ارتكابه لجريمة ما ، ساعد على انتشار المخدرات و المسكرات بشكل عام .أنواع المخدراتللمخدرات أنواع كثيرة و تصنيفات متعددة ، و هي حسب تأثيراتها يمكن أن تصنف في أربعة أقسام :أ _ مسببات الشهوة : مثل الأفيون و مشتقاته ، كالمورفين ، و الهيروئين ، و الكوكائين .ب _ المهلوسات : كالميسكالين ، , فطر البينول ، و القنب الهندي ، و فطر الأمانين ، و البلاذون ، و البنج .و كلا القسمين يجمعهما الدكتور محمود ناظم النسيمي تحت اسم المخدرات المكيفة .ج _ المخدرات الطبية العامة : و تطلق على مزيلات الألم و مانعات حدوثه سواء ما كان يحقن منها موضعياً _ المخدرات الموضعية _ لتمحو الألم الموضعي كالنوفوكائين ، و الليدوكائين ، و هي لا تحدث اعتياداً و لا تغيب العقل و منها ما يسمى بالمخدرات العامة التي يزيل حقنها أو استنشاقها حس الألم و بقية الأفعال الانعكاسية ، و يحدث فيها النوم و التخدير معاً ، و تطبق قبل الأعمال الجراحية _ مثل الإيثر ، و الكلورفورم ، و أول أوكسيد الآزوت ، و غيرها _ .و هناك زمرة تدعى بالمخدرات المنومة ، و هي منومات بمقاديرها الصغيرة ، و مخدرة بمقاديرها الكبيرة ، كالكلورال ، و البنتوتال . و كل المخدرات العامة الطبية تدخل عند الفقهاء تحت اسم المنومات و تأخذ حكمها .د _ المنومات " المرقدات " : كالباربيتوريات ، و البارالدهيد و غيرها .كما أن بعض الباحثين يقسمها إلى مخدرات كبرى و صغرى .و يعتبرون المخدرات الكبرى ذات الخطورة الكبيرة عند تعاطيها و الإدمان عليها كالأفيون و الحشيش و المارجوانا و الهيروئين و غيرها .أما المخدرات الضغرى فهي ذات خطورة أقل و تمثل جانباً _ من العقاقير المستخدمة حالياً _ في العلاج الطبي ، و تسبب الإدمان لمتعاطيها عند استخدامها لفترات طويلة كالمنبهات و المهدئات و المنومات ، و المسكنات و الكوكا و جوزة الطيب و غيرها .و أخطر هذه المخدرات ما يسبب اعتياداً نفسياً و عضوياً كالأفيون و مشتقاته ، كالمورفين ، و الهيروئين .و أقلها خطراً ما يسبب اعتياداً نفسياً فقط كالكوكائين و الأمفيتامين و القات و عقاقير الهلوسة .زمرة الأفيون و مشتقاته :الأفيون Opium : و هو من أخطر المخدرات ، يستحصل عليه بإجراء شقوق في ثمار الخشخاش غير الناضجة فيسيل على شكل عصارة تجمع و تجفف ، لها طعم مر ، و تدخل في تركيب عدد من العقاقير .و يتعاطى الأفيون ببلعه صرفاً أو مع الشاي أو القهوة . أو تدخيناً مع السجائر أو الشيشة .و يشعر متعاطيه في البدء بالتنبه و النشاط و قدرة على التخيل و الكلام ، لكن هذا لا يدوم طويلاً إذ تضطرب الحالة النفسية و يبطؤ التنفس و ينتهي به الأمر إلى النوم العميق أو السبات .و الأفيون إذا تعود عليه الشخص صار جزءاً من حياته ، و لا يستطيع جسمه أداء وظائفه دون تناول الجرعة المعتادة . و يشعر بآلام حادة إذا لم يحصل عليه و تتدهور صحته . و تضمر عضلات المدمن و تضعف ذاكرته و تقل شهيته للطعام و تحدث زرقة في العينين و بطء في التنفس و النبض ، و ينقص وزنه و ينخفض عنده التوتر الشرياني و حرارة البدن .المورفين : يستخلص من الأفيون الخام بتفكيكه في الماء ثم معاملته بالليمون و إضافة كلور الأمونيوم إلى المحلول ، فيترسب المورفين الذي يجفف على شكل مسحوق أبيض مصفر .و قد رحب به طبياً حين اكتشافه لأثره الكبير في تسكين الآلام ، ثم اكتشف خطره العظيم بإحداثه الإدمان و الاعتياد الجسمي و النفسي عند متعاطيه .يتعاطى المورفين إما حقناً تحت الجلد أو بلعاً مع الشاي أو القهوة ، أو تدخيناً مع التبغ . يشعر متعاطيه بالخفة و النشاط و الذي يتطور إلى رغبة عارمة في تعاطيه ، و من ثم يحصل ازدياد التحمل و زيادة الجرعة للحصول على نفس النشوة .و يؤدي إدمانه إلى سيلان الأنف و الإقياء المتكررة و القبض ، ثم إلى تشوش في الإدراك و ضعف عام و دوار و خفقان و جفاف الفم .و تحدث الجرعة الزائدة إحباطاً لمركز التنفس و هبوط الضغط الدموي و قد يحدث السبات الذي ينتهي بالوفاة .الهيروئين : أو الدياورفين مسحوق بللوري أبيض يستخلص من المورفين و هو مسكن قوي _ أكثر من المورفين بـ 5 _ 8 أضعاف _ و هو أغلى المخدرات ثمناً و أشدها اعتياداً و خطراً على الصحة العامة .يتعاطى الهيروئين بحقن محلوله تحت الجلد أو في الوريد مباشرة كما يمكن تدخينه مع التبغ أو استنشاقه سعوطاً .يشعر متعاطيه في البدء بالنشاط و الخفة و الحبور و يبدأ الاعتياد باستعماله المتكرر حيث يحتاج إلى كميات أكبر لإحداث نفس الأثر ، ثم لا يلبث المدمن أن يلهث للحصول عليه حيث لا سرور و لا انشراح سوى الحاجة إليه و للقضاء على الآلام المبرحة و تصلب العضلات و غيرها من آلام الانقطاع .و يصاب المدمن بضعف جسماني شديد و فقد للشهية و المعاناة من الأرق و الخوف الدائم الذي يطارده ، و من اختلاطات استعمال الحقن الملوثة كتجرثم الدم و التهاب الكبد الفيروسي و الإيدز اللعين ، و قد يحدث الموت نتيجة جرعة مفرطة .و زمرة الأفيون كلها بجرعاتها القليلة عمل كمثيرات جنسية لأنها تضعف موانع التصرف للإنسان محررة إياه من عوامل الكبت . كما أن الحقن الوريدي لهذه المواد يعطي إحساساً يشبه إحساس الارتواء الجنسي .أما عند الإدمان ، فقد أكدت الدراسات التأثيرات الضارة لهذه المواد على الوظيفة الجنسية ، إذ يصاب المدمنون بعدد من المشاكل الجنسية ، كتأخر القذف و العنانة أو فشل القذف ، و يشكو أكثرهم من ألم أثناء القذف ، ويصل معظمهم في النهاية إلى ضعف الشهوة الجنسية .لقد وصلت نسبة العنانة عند مدمني الهيروئين إلى 39 % . و من المؤكد أن المورفين يمنع إفراز الهرمون الملوتن L . H . و الإباضة و بالتالي إلى عقم المرأة المدمنة . و اضطرابات الطمث صفة واضحة عند مدمنات الأفيون و أشدها وضوحاً عند مدمنات المورفين و الهيروئين ، كما أن الإجهاضات العفوية شائعة عندهن . هذا علاوة على أن المولودين حديثاً من أمهات مدمنات يجدون صعوبة في التنفس لأثر هذه المواد المثبط على مركز التنفس و أثرها العام السيئ على الجهاز العصبي عند الوليد .زمرة القنب الهندي :الحشيش و الماريجوانا : و يستخرجان من نبات القنب الهندي الذي يزرع بشكل واسع في إيران و الهند و لبنان و تركيا و دول شرق آسيا .و ما الحشيشة سوى العصارة الصمغية التي تفرزها الأجزاء العليا النامية من النبات و في الأزهار ، أما الماريجوانا فهي مسحوق خليط الأوراق المثمرة و الأزهار .و كلاهما يتعاطى بالتدخين لوحدهما أو بعد مزجه بالتبغ . و قد تخلط مع الشاي أو مع أنواع من الحلويات .و يشعر متعاطي الحشيشة بالنشوة المصحوبة عادة بالضحك و القهقهة غير المبررة ، و تختل أحجام و أشكال المرئيات و المسافات ، و يمر الزمن ببطء شديد عنده و تختل ذاكرته بالنسبة للأحداث القريبة كما ينزلق الخيال مع ازدياد الجرعة ، فيخطئ في تفسير ما تدركه الحواس ، ثم تعتريه الهلوسات السمعية و البصرية . و له آثار مزعجة لمن يتعاطاه ابتداءً إذ قد يؤدي إلى فقدانهم السيطرة على النفس مع قلق شديد .و يتصف المدمن باحمرار عينيه و انخفاض ضغطه الدموي و تسرع دقات القلب ، و تتعطل خمائر الكبد مما يقلل في فعالية معظم الأدوية التي يتناولها المدمن . كما يتعرض المدمن لكل مخاطر التدخين التي ذكرناها في بحثها .أما أعراض الانقطاع المفاجئ فأهمها الشعور بالاكتئاب و القلق و رجفان الأطراف _ الرعشة _ و اضطراب النوم .و يمكن أن نلخص المضاعفات التي يمكن أن يتعرض لها المتعاطي على المدى البعيد :1. متلازمة انعدام الحوافز من كسل و بلادة و فقدان الطموح .2. المضاعفات العقلية من ضعف الذاكرة و التبلد الذهني و عدم القدرة على التركيز .3. التصاعد : قد يكون الحشيش أقل من غيره خطراً من المخدرات عندما يتعاطى لوحده ، لكن أكبر أخطاره : تصاعد ميول المتعاطي ليشاركه مع غيره من المخدرات كالهيروئين و الكوكائين و المنومات .4. الحشيش و الجريمة و العنف تتواجد دائماً مع بعضها حيث يفقد المدمن سيطرته على نفسه و يندفع إلى الجريمة و العنف .و لا غرابة إذ عرف علماؤنا المسلمون خصائص الحشيشة و وصفوها بدقة . انظر إلى ابن حجر الهيثمي إذ قال فيها :و في أكلها مائة و عشرين مضرة دينية و دنيوية : منها أنها تورث النسيان ، و موت الفجاءة ، و اختلال العقل ، و دوام الرعشة ، و تذهب الحياء و المروءة و عشاء العين و الفطنة ، و تقطع النسل ، و تجفف المني ، و تورث العنانة .أما ما يروجه متعاطوا الماريجوانا من أنها مثيرة للجنس ، فمن المحتمل أن يكون ذلك بسبب تأثيره على المراكز الدماغية العليا ، مما يقلل التحفظات على تصرفات الشخص أكثر من أنها مواد ذات إثارة جنسية .و قد يكون ذلك لأنها تشوه الإدراك في المحسوس الزمني مما يخيل لمتعاطيه أن القمة الجنسية طويلة نوعاً ما .و قد وجدت إحدى الدراسات الهامة أن إدمان الماريجوانا المديد يؤدي إلى تغيرات في قدرة الذكر الإنجابية . أجريت الدراسة على 20 رجلاً ، متوسط تعاطيهم لها 4 أيام في الأسبوع و لفترة استمرت سبعة أشهر .و قد تبين أن مستويات التستوسترون عندهم أقل بشكل واضح من الرجال الذين لا يتعاطونها ، و أن عدد النطف عندهم أقل بمقدار النصف . . . ز كلما زاد تدخين الماريجوانا نقص الهرمون المذكر ، و قل عدد النطف ، كما أصيب اثنان منهم بالعنانة . شفي أحدهم بعد انقطاعه التام عن تعاطيها ، و يكثر ظهور العنانة عند مشاركة المتعاطين الماريجوانا مع الخمور أو غيرها من المخدرات .و أثبتت الأبحاث الحديثة أن للقنب و مشتقاته حب للدسم و أنها تتركز في البدن في النسج الشحمية و منها الخصيتان و المبيضان .كما ينسب لهذه المواد تشوهات صبغية يمكن أن تؤدي إلى تخرب وراثي . و قد تبين أن الخلايا اللمفاوية المزروعة و المأخوذة من مدمني الماريجوانا هي خلايا مشوهة .و هكذا فإن كاراكوشانسكي و زملاؤه يؤكدون أن مادة تتراهدروكانيبول التي يحتويها دخان الحشيشة تثبط صناعة البروتين في الخلية كما تثبط انقسام الحمضين النوويين DNA و RNA و هذا يؤدي بدوره إلى إمكانية حدوث تشوه في الأجنة و إلى الإجهاض عند الحمل .كما ثبت أن للحشيش تأثيراً على المنظمات الهرمونية و إمكانية إصابة المدمن عليه بالعنانة و العقم المؤقت .القات Catha :أدرجت منظمة الصحة العالمية " القات " ضمن المواد المخدرة ، و هو عبارة عن شجيرات دائمة الخضرة ، موطنها الأصلي الحبشة ، و قد نقلها الأحباش إلى اليمن عند احتلالهم لها في القرن السادس الميلادي .و انتشرت زراعته في الجنوب العربي ، حيث أصبح المواطن اليمني و الحضرمي أسير أوراقها اللامعة ، يملأ بها فمه يمضغها في كل مكان مضغاً بطيئاً يتم معه استخلاص عصارة النبات المرة القلوية و ارتشافها مع الماء بلذة زائدة .تعاطي القات يؤدي إلى الشعور بالخفة و النشاط و الثرثرة مع تهيج و أرق و استمرار تعاطيه يدخل صاحبه في زمرة الإدمان النفسي الذي يتميز بالحاجة الملحة للحصول عليه .و يتظاهر عنده باتساع حدقة العين و تسرع القلب و ارتفاع الضغط الدموي و صداع و احتقان الملتحمة و الضعف الجنسي الذي ينتهي بالعنانة .و له تأثيرات عصبية نفسية منها زيادة توتر العصبي النفسي مع زيادة في الحركة و الميل إلى العنف يرافقها تصرفات لا إرادية و المقادير الكبيرة منه تؤدي إلى الهلوسة و جنون العظمة و الهيجان العصبي .المنبهات _ المثيرات _ Stimulants :و هي مخدرات تعمل بآلية تنبيه الجهاز العصبي المركزي لأنها تنتج الطاقة و تعطي القوة لمتعاطيها حتى و لو كان يشعر بالتعب و الفتور و تولد الشعور بالنشاط و الإثارة و تمكنه من البقاء يقظاً و متحفزاً من دون نوم لفترات طويلة . لكن استعمالها المديد يولد اعتياداً نفسياً خطيراً دون أن يحدث اعتياد جسدي .الكوكائين :استخرج من نبات الكوكا لأول مرة منذ حوالي مائة سنة و هو منبه قوي و مخدر موضعي فعال . و أكثر ما يتعاطى نشوقاً حيث يمتص من الأغشية المخاطية للأنف ليصل مباشرة إلى الدم لذا فإن شمه المستمر قد يؤدي إلى تقرحات في تلك الأغشية ثم إلى انثقاب الجدار بين المنخرين .كما يتعاطى حقناً تحت الجلد و يمكن أن تحدث نخوراً سريعة فيه و تقرحات مؤلمة ، كما قد يتعاطى بتدخين عجينة الكوكا .يسبب تعاطيه لفترة قصيرة قدراً من الشعور العارم بالابتهاج و النشاط ، و قد يتبع ذلك شعور بالاهتياج و القلق أو الخوف حتى الهلوسة .و تسبب جرعاته الكبيرة عدم النوم و الرجفان و التشنجات و أوهام الارتياب التي تقود إلى سلوك شاذ و عنيف . و يضطرب التنفس و الهضم ، مع الإحساس بوجود حشرات تزحف تحت الجلد ، و تتسع حدقة العين و يرتفع النبض و الضغط الدموي علاوة على حدوث اعتياد نفسي شديد ، و قد يؤدي إلى الموت المفاجئ .و الخطر الأكبر من تدخينه صافياً إمكانية حدوث اعتياد جسدي مع الخطر المتنامي من إشراكه مع الهيروئين ، حيث يؤدي إلى إدمان مزدوج خطر للغاية .و الكوكائين بمقاديره القليلة يزيد الرغبة الجنسية و القدرة على الجماع و يؤخر القذف عند الرجل ، و هذا ناجم غالباً عن أنه يشوه و يحرف الإدراك الزمني .و حقنه الوريدي يؤدي إلى نشوة عارمة ، لكن إدمانه يؤدي على العكس ، إلى فقدان كامل للاهتمامات الجنسية .الأمفيتامين :عقار صنع في ألمانية عام 1880 و اعتبر دواءً آمناً ذا قيمة طبية جيدة إلا أنه ثبت أن استعماله المديد يعرض لمخاطر الاعتياد .يحدث لمتعاطيه شعور بالنشوة و النشاط و فقد النعاس و حصوله على طاقة كبيرة لبضع ساعات حيث يبدو بعدها منهكاً مع إحباط و عدم القدرة على التركيز و الشعور بنوع من المضايقة قد يدفعه إلى العنف .و إدمانه يؤدي إلى خفقان و جفاف الفم و أرق و عدم القدرة على الاسترخاء ، ثم تتسع الحدقة و يتسرع النبض و يرتفع الضغط مع إمكانية حصول حصار قلبي و غثيان . و فرط الجرعة يؤدي إلى حدوث غشي و رجفان و اختلاج قد يؤدي إلى الموت .و هو مثير للجهاز العصبي و يزيد الشعور الجنسي بمقاديره القليلة عند الجنسين ، لكن لإدمانه يؤدي إلى فقد الاهتمام الجنسي ، و طلب الحصول على العقار من أجل العقار ، كما أنه يؤدي إلى الضعف الجنسي .و إن تناوله من قبل المضطربين جنسياً يقود إلى الاستنماء القسري و إلى الشذوذ الجنسي و خاصة فإن النساء المدمنات يطلبن الجماع إلى حد الدعارة و إلى الشذوذ المتصف بالتعري أمام الناس و إلى السادية أحياناً .المخدرات المهلوسة :المهلوسات مواد تقلب الوضع النفسي و تجعل الإنسان عاجزاً عن مقاومته الخيال و اللامعقول . و يختلف تأثيرها حسب شخصية المتعاطي و كمية المخدر المتناول .ففي بدء تناولها يشعر الشخص بوهن و غثيان و دوار خفيف و شحوب . ثم يبدأ الدور الفعال بحدوث أهلاس بصرية حيث تبدو أمامه الألوان زاهية براقة . و إذا أغمض عينيه شاهد عرضاً لمشاهد غريبة من صور لا معقولة و مناظر خلابة .كما يصاب بأهلاس سمعية لأصوات و موسيقى غريبة و يفقد الشعور بالزمن و المسافات ، وأخيراً يشعر بارتخاء القدمين و تشنج في الوجه ثم إلى ذبول و خمول .من هذه المخدرات قديم جداً كفطر الأمانينا ماسكاريا الذي استعمله الهندوس القدامى و كهنة الإغريق ، و فطر الزايلوسايين الشائع في أمريكا الجنوبية ، و الميسكالين و هو خلاصة صبار البيوتي الذي استعمله الهنود الحمر في طقوسهم .و عرف العرب جوزة الطيب Nut Meg و هي نبات يزرع في الهند و يستخدم المتعاطي ثمارها باستحلابها ضمن فمه أو تذاب مع الشاي أو تستخدم نشوقاً . و تؤدي إلى ما ذكرناه من أعراض الهلوسة مع الإدمان .و منها البنج _ السيكران _ و هو نبات شديد الخضرة ذكره ابن حجر الهيثمي و بين أن تعاطيه كبيرة و فسق كالخمر لاشتراكه معها في إزالة العقل .و أخطر المهلوسات المصنعة ما يسمى بالـ L . SD الذي يستخرج من فطر الجودر Ergot ، استخدم كعلاج في الاضطرابات النفسية ، لكن مضاعفاته الخطيرة منعت استعماله الطبي .يتعاطى عن طريق الفم و الحقن الوريدي و يؤدي إلى ارتفاع الضغط و سرعة النبض و الغثيان و رجفة اليدين و الأقياء .و إدمانه يؤدي إلى ظهور الهلوسات البصرية ، و تتغير المرئيات و تختلط الحواس ، و قد يصاب بالفزع الشديد المؤدي إلى الانتحار . و من اختلاطاته الهذيان و الشعور بالاضطهاد ، كما أنه يؤدي إلى عطب صبغيات نواة الخلايا و إلى تشوء الأجنة عند المدمنات الحوامل . و قد تؤدي إلى الفصام عند المستعدين .المنومات _ المرقدات _ :المنومات أدوية تعمل بقدرتها الخافضة للجهاز العصبي المركزي فتؤدي إلى تهدئة الشخص و تنويمه و قد تسبب بعض المنومات اعتياداً نفسياً عليها و خاصة الباربيتوريات .و إن فرط الجرعة ، أو الاستمرار عليها لفترة طويلة قد يحدث انسماماً شبيهاً بالانسمام الغولي دون حدوث احتقان في الوجه أو احمرار في الملتحمة ، لكن يظهر اختلاط عقلي من صعوبة في التفكير و اختلاط ذهني ، و عدم استقرار عاطفي و اضطراب نفساني سمي . كما أن فرط الجرعة يؤدي إلى الارتعاش و ازدياد النبض و الغثيان و الدوار و قد يؤدي إلى هلوسات شديدة و إلى أضرار دماغية مميتة .إن خطر الاعتياد على المنومات يجب أن يحذره كل من المريض و الطبيب الممارس على السواء ، إذ إنها تشكل مشكلة طبية و اجتماعية خطيرة ، فيجب ألا تصرف إلا بوصفة طبية و لفترات محدودة .و المنومات بجرعاتها الصغيرة المحدودة تفيد لمعالجة حالات القلق و الخوف ، كما أن لها تأثيراً مؤقتاً محرراً للتصرف الجنسي من الكبت ، فيمكن أن تحسن في القيام بالوظيفة الجنسية . غير أن فرط الجرعة تخمد كافة التصرفات الشخصية بما فيها الجنس ، و يزداد خطرها عند مشاركتها مع الغول أو غيرها من المخدرات .و يعرف الفقهاء المرقدات بأنها ما غيب الحس و العقل معاً . و إذا كان الفقهاء يقصدون بها كل المنومات سواء استيقظ النائم بهزة اليد أم لا ، فإنها بذلك تشمل كل ما سبق و ذكرناه من المخدرات الطبية و المنومات و المسكنات المنومة .و الأصح _ و الله أعلم _ كما يقول الدكتور محمود ناظم النسيمي أن المرقدات بعرف الفقهاء : هي التي لا يستيقظ النائم بها بهزة اليد ، لفقد الحس والوعي ، و بذا تشمل فقط المخدرات الطبية و المنومات المخدرة _ بمقاديرها الكبيرة _ و بعض المسكنات المنومة كالأفيون .و بهذا المقصود فإن المنومات التي ذكرناها في المصطلح الطبي اليوم لا تدخل ضمن حكم تناول المرقدات إذا تم تناولها بالمقدار الدوائي العادي و بوصفة طبيب عدل ، لأنها لا تشوش العقل و الحواس و يستيقظ النائم بها بهزة اليد .لكن يكره _ كما يقول الدكتور محمود ناظم النسيمي _ الاستمرار عليها لفترة طويلة خشية حصول الاعتياد عليها .المذيبات الطيارة :مجموعة من المواد أدرجتها منظمة الصحة العالمية عام 1973 مع المواد التي تسبب الإدمان ، و كلها تستعمل بكثرة في الاستعمالات المنزلية ، و تحتوي على فحوم مائية متطايرة : كالتولوبن ، و البنزين ، و ثري كلور إيتلين ، و الغراء ، و مزيل طلاء الأظافر و سوائل التنظيف .يتم تعاطيها باستنشاق أبخرتها بعد غمس قطعة من القماش في السائل . ثم يتم استنشاقها مراراً حتى الحصول على حالة السكر ، و قد يؤدي إلى الدوار و الاسترخاء و الهلوسات البصرية و الغثيان و القيء ، و يشعر بالنعاس مع شعور غريب يشبه الحلم .يسبب إدمانها عطب القلب و الكبد كما يتعطل نخاع العظم الصانع للكريات الحمر فيؤدي إلى فقر دم شديد ، بالإضافة إلى عطب المخ المؤدي إلى الخرف .و من أخطارها : الانتحار و الموت المفاجئ لتوقف التنفس أو تقلص القلب و تدفع صاحبها إلى جرائم العنف و حوادث السيارات .مركبات النتريت :و أهمها Amyl Nitrite الذي استخدم كمقو عام و منشط للجنس ، ثم استخدم مشتقه البوتيلي من أجل الكيف .و تباع على شكل أمبولات تكسر و يستنشق محتواها الذي يؤدي إلى استرخاء العضلات الملس و توسع وعائي محيطي و انخفاض الضغط .يؤدي تعاطيها إلى شعور بالخفة و فقد الموانع الاجتماعية و إلى تشويه في إدراك الوقت و الأحاسيس الجلدية .و اكثر ما يتعاطاها الشاذون جنسياً إذ تؤخر القذف و الذروة الجنسية . و إدمانها يؤدي إلى الصداع و الغثيان و تخريش الأنف كما ذكرت حوادث من الموت الفجائي بالوهط القلبي . كما أثبتت دراسات حديثة زيادة ظهور داء كابوزي الخبيث و نقص المناعة المكتسبة _ الإيدز _ بين المدمنين .آثار المخدراتإن المدمن على المخدرات هو قتيل بين الأحياء ، لكن روحه لا تزال متعلقة بجسده تتنازعه البقاء . و هو شبح هزيل ، نحيل ، شبه مشلول ، فقد صحته ، و انحدرت نفسه .الآثار الدينية :المخدرات مضيعة للوقت ، مذهبة للعقل ، تدخل صاحبها في غيبوبة تمنعه من أداء صلواته و تحقيق عبادته ، و تنافي اليقظة الدائمة التي يفرضها الإسلام على قلب المسلم .كما أن سيطرتها على عقله تجره لارتكاب كل محرم : من قتل ، و سرقة ، و بذل عرض ، وسواها .الآثار الاجتماعية :يتنامى تدهور صحة المدمن حتى يصبح عاطلاً عن العمل ، و هو عضو غير منتج في المجتمع ، يميل إلى ارتكاب الجرائم ، غير متحمل لمسؤوليته كراع في أسرته ، ينفق موارده لتحصيل ما يتوهم فيه اللذة من مخدر تاركاً أفراد أسرته دون طعام و لا كساء ، مما يؤدي إلى كثرة حدوث الطلاق في تلك العائلات ، كما تكثر ولادة أطفال مشوهي الخلقة ، ضعيفي البنية في أوساط المدمنين .و عندما يعجز المدمن عن تأمين المخدر بالطرق المتاحة كثيراً ما يلجأ لإجبار زوجته أو ابنته على البغاء . فانتشار المخدرات علامة على الرذيلة بكل صورها .الآثار الاقتصادية :علاوة على أن المدمن إنسان غير منتج ، فإنه يلحق بمجتمعه خسارة كبرى في الإنفاق على علاجه من الأمراض التي ينتجها الإدمان ، و على إنشاء مصحات لعلاج آفة الإدمان بالذات ، و على الأجهزة الأمنية المكلفة بمكافحة المخدرات ، و ملاحقة الاتجار بها و المهربين لها . ثم إن أسعار المخدرات الباهظة تستنزف الدخل القومي ، لتجتمع في أيدي قلة من الناس تعمل لحساب جهات إجرامية مكن المافيا و سواها .الآثار الصحية و النفسية :لكل مخدر أثره الخاص على العضوية ، ذكرنا في أول البحث و سنلخص هنا الآثار المدمرة التي تشترك بها كافة المخدرات _ المكيفة _ [ من أراد التفصيل فليرجع إلى كتاب الزميل الدكتور محمد علي البار و عنوانه " المخدرات الخطر الداهم " ] .فالإدمان يؤدي إلى ضمور قشرة الدماغ التي تتحكم في التفكير و الإرادة . و تؤكد الأبحاث الطبية أن تعاطي المخدرات _ و لو بدون إدمان _ يؤدي إلى نقص في القدرات العقلية و إلى إصابة خلايا المخيخ بالضمور ، مما يخل بقدرة الشخص على الوقوف من غير ترنح .أما انحلال نخاع القنطرة الوسطى عند المدمن فيؤدي إلى شلل النصف السفلي من الجسم . كما يصاب المدمن بنوبات من الهذيان و الارتعاش و فقدان الوعي ، و تتليف كبده ، و تضخم طحاله كثيراً ، و يصاب بالتهاب الأعصاب المتعددة ، و منها العصب البصري ، المفضي إلى العمى و إلى التهاب مزمن في البلعوم و المريء ، قد يفضيان إلى سرطان المريء .و القيء المتكرر ، و فقدان الشهية يؤديان بالمدمن إلى الهزال الشديد ، كما أن المخدرات تهيج الأغشية المخاطية للأمعاء و المعدة و إلى احتقانهما و تقرحاتهما . و ما ينجم عن ذلك من نوبات إسهال و إمساك و سوء هضم مع سوء امتصاص للغذاء يزيد الطين بلة .و كل المخدرات ، يدعي متعاطوها أنها مثيرة جنسياً و أنها تزيد في متعتهم ، غير أن الباحثين يؤكدون أن الإدمان في خاتمة المطاف يؤدي إلى العجز الجنسي و العنانة الكاملة عند الرجل ، و إلى البرود الجنسي عند المرأة .من أبرز أضرار المخدرات النفسية الشعور بالاضطهاد و الكآبة و التوتر العصبي النفسي و حدوث أهلاس سمعية و بصرية مثل سماع أصوات و رؤية أشياء لا وجود لها ، و تخيلات قد تؤدي إلى الخوف فالجنون أو الانتحار ، كما يحدث اضطراب في تقدير الزمان و المكان مما ينتج عنه أحكام خاطئة و ضعف في التركيز . مما يقلل من تفاعل المدمن مع محيطه بحيث لا يسعده شيء سعادته بالحصول على المخدر ….هل المخدرات مسكرة أم لا ؟ …هناك صفات مشتركة بين الخمر و المخدرات ، فكلاهما يحدث نشوة و طرباً بادئ ذي بدء ، ثم إنها تشترك في تخدير العقل و إحداث فتور عام في البدن و ما يتصل بذلك من الشعور بتخيلات فاسدة غير حقيقية قد يترتب عليها بعض الجنايات .و قد اختلف الفقهاء رحمهم الله ، في تصنيف هذه المخدرات ، هل هي مواد مسكرة تلحق بالخمر ، أم هي مواد مخدرة قائمة بذاتها و لا تلحق بالمسكرات ؟و لهم في ذلك قولان مشهوران :القول الأول :أن هذه المواد مسكرة و هي ضرب من الخمر ، و يجب أن يطبق على متناولها ما يطبق من أحكام على شارب الخمر لاشتراكهما في علة التحريم و هي الإسكار .و من هؤلاء من يرى أن التخدير الذي يلحق بالأطراف و الحواس لمتناول هذه المواد هو من جملة آثارها السيئة التي تجعلها أكثر شراً و أعظم ضرراً من الخمر .و ممن قال بهذا الرأي الحافظ ابن حجر العسقلاني و الإمام النووي و ابن حزم و ابن حجر الهيثمي و ابن عابدين في حاشيته .و أما شيخ الإسلام ابن تيمية فيقول في فتاويه : و أما الحشيشة الملعونة المسكرة فهي بمنزلة غيرها من المسكرات ، و هي من أعظم المنكرات و هي شر من الشراب المسكر من بعض الوجوه ، و المسكر شر منها من وجه آخر ، فإنها مع أنها تسكر آكلها حتى يبقى مصطولاً ، فهي تورث التخنيث و الديوثة و تفسد المزاج .و يقول الإمام الزركشي في الحشيشة : و الذي أجمع عليه الأطباء و العلماء بأحوال النبات بأنها مسكرة .أما الإمام ابن قيم الجوزية فيقول : و اللقمة الملعونة _ الحشيش _ لقمة الفسق التي تحرك القلب الساكن إلى أخبث الأماكن فإن هذا كله خمر بنص رسول الله الصريح : " كل مسكر حرام " و صح عن أصحابه ، الذين هم أعلم الأمة بخطابه أن الخمر ما خامر العقل .القول الثاني :أن هذه المواد مخدرة _ مفترة _ و ليست مسكرة ، و ممن قال بهذا الرأي الإمام القرافي من المالكية و الدسوقي و غيرهم . حيث قالوا أن عطف المفتر على المسكر يقتضي المغايرة و للمسكر حكمه و للمفتر حكمه.أما الدكتور محمود ناظم النسيمي فيقول : أن المفتر الذي ورد النهي عنه هو الذي يسبب النشوة الحادثة قبل عوارض السكر الواضحة ، و هذا موجود في المسكرات و في المخدرات المكيفة ، فيكون ذكر المفتر بعد المسكر من ذكر العام بعد الخاص .و يضيف الدكتور محمود ناظم النسيمي أن لبعض الأدوية النفسية فعلاً مرخياً للعضلات ، و أن لأدوية الانحلال العصبي فعل مثبط للحركة ، و أن المنومات تعطي كسلاً و ميلاً للنوم ، فتدخل بهذا العموم تحت اسم المفتر و تصبح بذلك محرمة لا يجوز تناولها إلا للضرورة .و يقع حرج كبير للأطباء في مداواة الأمراض العصبية و النفسية ، و أميل _ و الله أعلم _ لعدم دخولها في المفتر المنهي عنه لعدم وجود النشوة لدى تناولها ….تحريم تعاطي المخدرات و أدلته :ذهب فقهاء المذاهب الأربعة و الظاهرية و الإمامية إلى تحريم تعاطي المخدرات _ المكيفة _ قليلها و كثيرها لضررها و إفسادها العقل .و أجازوا تناول القليل من أجل المداواة لا للهو لأن حرمتها ليست لعينها بل لضررها [ عن الموسوعة الفقهية الكويتية ] .قال ابن عابدين في حاشيته : …. و إلا فالحرمة عند قصد اللهو _ المتعة و اللذة _ ليست محل خلاف بل متفق عليها .و قال ابن تيمية : هذه الحشيشة الملعونة حرام سواءً سكر بها أم لم يسكر ..فإذا تناول شخص من هذه المخدرات لغير قصد دوائي ضروري عوقب شرعاً العقوبة التعزيرية التي يراها القاضي محققة للزجر و الردع .و قال ابن تيمية : يجلد متعاطي الحشيشة كما يجلد شارب الخمر لأنها أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل و المزاج حتى يصير الرجل في خناثو و دياثة ، و كلاهما يصد عن ذكر الله و عن الصلاة ، و مذهب الإمامية إلحاق الحشيشة بالمسكرات في وجوب الحد على متعاطيها .و المختلف فيه حكم التداوي بها فيما لو أشار طبيب ذو مهارة في الطب و ثقة في الدين بتناول قدر يسير من المخدرات بقصد العلاج :فمن يرى أنها مسكرة و يعطيها حكم الخمر حرم التداوي بها ، بهذا يقول ابن تيمية و ابن القيم . كما أن ابن حجر الهيثمي يقول : و إذا ثبت أن هذه المخدرات مسكرة فاستعمالها كبيرة و فسق كالخمر .و كل ما جاء في وعيد شاربها يأتي في هذه المذكورات لاشتراكهما في إزالة العقل ، المقصود للشارع بقاؤه لأنه آلة الفهم عن الله و رسوله و المتميز به الإنسان عن الحيوان .و ذهب أكثر الفقهاء إلى جواز التداوي بالمخدرات ، و بالمقدار الدوائي اليسير الذي يحدده طبيب حاذق بدينه و أمانته ، و من هؤلاء الإمام النووي و ابن عابدين و الزركشي و القرافي و الدسوقي و سواهم ، و الذي يرجحه الدكتور محمود ناظم النسيمي .أما الدكتور عبد الله الطيار فيرجح حرمة تعاطي المخدرات من كل وجه ، ملكها و شراؤها و بيعها و التداوي بها ، إلا في حالات الضرورة و بالحدود الضيقة ، و بعد استنفاد كل الوسائل المباحة .أما المخدرات العامة الطبية ، فلا يلجأ إليها أصلاً إلا لضرورة طبية و للأعمال الجراحية حصراً ، و الضرورات تبيح المحظورات . و قد يلجأ إليها بدافع إجرامي فيكون الفعل و الدافع محرمين .أما تعاطيها بغير مقصد طبي فذلك محرم قطعاً لأنها تغيب العقل و الحواس و لا يستيقظ المخدر بها قبل إطراحها من الجسم .أدلة التحريم :لا يوجد نص صريح في القرآن الكريم أو السنة المطهرة على تحريم تعاطي المخدرات ، لأنها لم تكن معروفة في عصر التنزيل إنما جاءت الشريعة الغراء بنصوص عامة تبين للأمة المسلمة و إلى يوم القيامة ما يضرها و ما ينفعها ضمن قواعد ثابتة يؤيدها العلم و العقل .1. تحريم الخبائث : قال تعالى :{ الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة و الإنجيل يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر ، و يحل لهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث } [ سورة الأعراف : الآية 157 ] .فالقاعدة الكلية في الشريعة تحريم الخبائث و إباحة الطيبات ، و لا يوجد عاقل يقول أن المخدرات من الطيب المباح لما لها من الأضرار الخطيرة التي لا تخفى على أحد ، و قد حرمتها كل الأمم في قوانينها الوضعية . فهي قطعاً من الخبائث ، و أي خبيث أعظم مما يفسد العقول التي جاءت الشريعة لحفظها .2. تحريم المسكرات : يستدل العلماء بنصوص تحريم الخمر على تحريم المخدرات ، فالخمر هي ما خامر العقل ، أي ستره و غطاه ، و هذا المعنى موجود على أشده في المخدرات .عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " كل مسكر خمر ، و كل خمر حرام " [ متفق عليه ] .و عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " ما أسكر كثيره فقليله حرام " [ رواه أبو داود و النسائي ، و قال النووي : حديث حسن غريب ] .و عن ام سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى عن كل مسكر و مفتر . [ رواه أحمد و أبو داود ، و صححه السيوطي ، و قال المناوي عن الزين العراقي أن إسناده صحيح ] .يقول ابن حجر العسقلاني في فتح الباري : و استدل بمطلق قوله صلى الله عليه و سلم " كل مسكر حرام " على تحريم ما يسكر و لو لم يكن شراباً فيدخل في ذلك الحشيشة .قال ابن حجر الهيثمي : و حكى القرافي و ابن تيمية الإجماع على تحريم الحشيشة قال و من استحلها فقد كفر .و قال الذهبي في كتابه الكبائر : و بكل حال فالحشيشة داخلة فيما حرم الله و رسوله من الخمر المسكر لفظاً و معنىً .3. ذكرنا ما ثبت طبياً من أن المخدرات تؤدي إلى ضياع العقل و الصحة و قد تؤدي إلى الهلاك و الموت ، و من هذا يتبين أن تعاطي المخدرات اعتداءً على الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة لحفظها . قال تعالى :{ و لا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً } [ سورة النساء : الآية 29 ] .و قال أيضاً : { و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } [ سورة البقرة : الآية 195 ] .و عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " لا ضرر و لا ضرار " [ رواه الدارقطني و الحاكم و البيهقي ، و قال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ، و قال النووي : حديث حسن ] .4. تعاطي المخدرات يصد عن ذكر الله و عن الصلاة كالخمر تماماً ، بل هي أولى لأنها مع ستر العقل : تورث الخدر و الوهن و النحول و الاستكانة و الضعف ، كما أنها تدفع متعاطيها لارتكاب الجرائم ، لأنه يستميت للحصول عليها و لو اضطر للنهب و السلب و القتل .حكم زراعتها و الاتجار بها :إن زراعة المخدرات و الاتجار بها حرام ، مهما كانت الدوافع إلى ذلك ، لما فيها من الضرر الكبير على الفرد و المجتمع ، و من تعاون على الإثم و العدوان ، و نشر الرذيلة و إشاعة الجريمة .فقد صح في السنة تحريم بيع الخمر فيما رواه جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " ‘ن الله حرم بيع الخمر و الميتة و الخنزير و الأصنام " [ رواه البخاري و مسلم ] .و جاءت نصوص تؤكد أن ما حرم الله الانتفاع به حرم بيعه و أكل ثمنه .عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " قاتل الله اليهود ، حرم الله عليهم الشحوم فباعوها و أكلوا ثمنها " [ رواه الشيخان ] .و إن في زراعة المخدرات إعانة على المعصية بترويج المخدرات و نشرها في المجتمع و فيها رضاً من الزارع بتعاطي الناس لها و الرضا بالمعصية معصية كما هو معلوم .قال ابن قيم الجوزية : فأما تحريم بيع الخمر فيدخل فيه تحريم بيع كل مسكر ، مائعاً كان أو جامداً ….. و اللقمة الملعونة _ الحشيشة _ فإن هذا كله خمر بنص رسول الله صلى الله عليه و سلم الصحيح الصريح الذي لا مطعن في سنده و لا إجمال في متنه
http://www.science4islam.com/

No comments: