Tuesday, June 30, 2009

ليبيا.. واحة استثمارات وفقر وأوهام



الكاتب "المتوسط" – لندن
بالرغم من انه لا توجد لدى ليبيا "دفاتر" حسابات تكشف لليبيين كم يملكون من أموال، والى أين تذهب هذه الأموال، فان دخلا سنويا يتراوح بين 36 و40 مليار دولار يبدو معدلا مقبولا لبلد يُصدّر نحو مليوني برميل من النفط يوميا.هذا الدخل يؤهل كل فرد ليبي، وهم خمسة ملايين نسمة، أن يحصل من عائدات النفط وحدها، على عائد سنوي يبلغ 7200 دولار على الأقل. وبحساب الأسرة المؤلفة من خمسة أفراد، فان دخلها السنوي يفترض ان يصل الى 36000 ألف دولار.ولكن معظم الليبيين يعيشون على الكفاف. وهناك مظاهر فقر تشمل خمس مجموع السكان. وعلى الرغم من ان البلاد لم تكف عن تصدير النفط حتى في ما يفترض انها "سنوات الحصار" التي أعقبت جريمة لوكربي عام 1988، إلا أن الفقر والحرمان والبطالة كان هو الثمن الذي دفعه الليبيون. أما الأموال فقد ظلت تتكدس من دون حساب.ولا شك أن ليبيا كانت قد انفقت أموالا طائلة (لم تُحص أيضا) على مشاريعها للتسلح وعلى حروبها في تشاد وعلى تدخلاتها هنا وهناك. إلا ان فائضا ضخما يتراوح بين 7 و10 مليار دولار سنويا ظل يتراكم منذ أواسط السبعينات الى يومنا هذا. هذه الأموال لا أحد يعرف أين توجد، ولا كيف يتم التصرف بها، ولا أين تستثمر، وكم هي عائداتها او خسائرها، ولا يوجد خلفها مدققو حسابات.مئات المليارات من الدولارات يجري التصرف بها كما لو أنها إرث خاص في بلد تتداعى بنيته التحتية ولا تتوفر فيه خدمات جديرة بالاعتبار. وسوى ما تقوم بعض الشركات الأجنبية، وفي الغالب بالاعتماد على عمالة أجنبية، فان الكثير من المشاريع تتعطل، والكثير من البرامج تتوقف، وفي الكثير من الأحيان يتأخر حتى دفع رواتب موظفي الدولة أنفسهم.المعلن من الاستثمارات الليبية في الخارج يتجاوز عمليا 100 مليار دولار. هذه الأموال كانت ستكفي، لو انها استثمرت في ليبيا أن تحولها الى جنة من جنات الله على الأرض. ولكن إذهب اليوم الى "الجماهيرية" لترى العجب العجاب. هناك شيء واحد رائج البضاعة: الأوهام. أوهام توزيع عائدات النفط على الشعب الليبي. أوهام مشاريع الإعمار الضخمة. أوهام المشاريع السياحية العملاقة في بلد تتداعى فنادقه ويهترئ مطاره الدولي. وأوهام الرخاء الذي سيتحقق ذات يوم، وذلك حتى انتهينا الى دولة كل ما فيها خراب، بل جاز ان يتم حلها وكأنها من لوزم ما لا يلزم.وفي الفوضى، فقد كان من الطبيعي لليبيا ان تتحول الى مرتع لكل وجه من وجوه الفساد الإداري، والى بيئة خصبة لتجارة المخدرات، وتجارة الرقيق الأبيض، والهجرة غير الشرعية.وبسبب التفسخ الذي لحق بالبنية التحتية وانهيار أنظمة الرعاية والرقابة والخدمات، ظهر مرض الطاعون، الذي عملت منظمة الصحة العالمية على مكافحته، فيما عملت السلطات على التكتم عليه.الكثير من الليبيين يدركون، على أي حال، ان الطاعون الحقيقي ليس موجودا في طبرق وحدها.
أموال الليبيين.. الى أين تذهب؟خدعة الاستثمارات في الخارج لإثراء حفنة "ثوار"
ما من شعب يتعرض للخديعة في التصرف بأمواله مثل الشعب الليبي. والسبب يعود الى انه ما من مؤسسات رقابة برلمانية او حكومية او حتى مصرفية تعرف كم تملك ليبيا من الأموال وكم تستثمر هنا وهناك وكم تنفق على هذا المضمار او ذاك.وقد يسمع المرء أرقاما تتطاير في الهواء عن مشاريع بناء واستثمارات وخطط في الداخل، إلا انه ما من احد يعرف ما هي الحقيقة من وراء تلك الأرقام، او ما إذا كان أي مشروع سينفذ بالفعل وفقا للخطط الموضوعة له.وعلى سبيل المثال، قال عبد الحفيظ الزليتني المدير العام للشركة الوطنية للنفط الليبية في 12 شباط-فبراير 2002 (لصحيفة الشرق الأوسط) أن ليبيا تتوقع أن ترفع انتاجها من الغاز الطبيعي الى حوالي 17 مليون متر مكعب في حدود السنوات الخمس المقبلة باستثمار يقدر بحوالي 5 مليارات دولار. وبعد 5 سنوات، وبعد انفاق تلك المليارات الخمسة، وقعت ليبيا 6 اتفاقات مع شركة "ايني" الايطالية، في تشرين الثاني-نوفمبر 2007، تنص على إنفاق 28 مليار دولار على أعمال التنقيب والاستكشاف والإنتاج في المناطق اليابسة والمغمورة بالمياه التي تحتوي على إمكانيات واحتياطات كبيرة لم تكتشف بعد.ومنذ ذلك الوقت صارت شركة «إيني» تمتلك الكثير من المشاريع النفطية في ليبيا، من بينها أكبر مشروع للغاز غرب العاصمة طرابلس وتقدر قيمته الاستثمارية بأكثر من 5.5 مليار دولار.وعادت "ايني" مؤخرا لتبدو وكأنها اصبحت الشريك الرئيسي لليبيين في نفطهم وذلك في شراكة مع المؤسسة الوطنية الليبية للنفط يتقاسم بموجبها الطرفان عوائد الإنتاج. وعلى غرار قانون النفط والغاز في العراق الذي يتيح للشركات النفطية الأجنبية الاستفادة من نصف العائدات، مقابل ما يُزعم انه استثمارات لتطوير الحقول، صارت ليبيا تتقاسم مع شركات النفط الأجنبية، الايطالية خاصة، عائدات الانتاج وفقا لنفس المزاعم. وذلك على الرغم من أن ليبيا لا ينقصها المال لكي تتدبر تطوير الحقول بنفسها. العراق يمنح نصف عائداته من النفط الى الشركات الأجنبية بسبب الغزو. ليبيا تفعل الشيء نفسه من دون غزو. ربما لأن الغزاة موجودون في الخفاء. وزيادة في البلاء، فان ليبيا تفعل اكثر من ذلك. فهي التي تزود البنوك الإيطالية بالأموال لكي تعود وتحول "استثماراتها" في ليبيا، بالأموال الليبية، الى حصة شراكة تتقاسم بموجبها عائدات النفط الليبي!ببساطة: سرقة.. عيني عينك. وبواحدة من أبشع وسائل الضحك على الذقون.ومن اجل أن لا يكون هناك فرق بين "الاستثمار" والإستعمار، فالحقيقة هي أن الحكومة الإيطالية تمتلك حصة 30 بالمئة من «إيني»، التي تعد رابع أكبر مجموعة للنفط والغاز في أوروبا والسابعة على مستوى العالم، ويعمل بها 76 ألف موظف في 70 دولة.ولكي توفر ليبيا المال لهذه الشركة وغيرها من الشركات الإيطالية، فقد عمدت الجهات الليبية المعنية بتبديد الأموال بضخ ما يقدر 10 مليارات دولار خلال الأشهر الـ18 المنصرمة في مؤسسات متهالكة مقابل أسهم هزيلة، مسعرة بسعر أكبر من قيمتها الحقيقية.ومن بين أبرز الشركات المستفيدة من الأموال الليبية مصرف "أوني كردت" الإيطالي الذي اصبحت ليبيا تملك نسبة 4,23 في المائة من أسهمه. وشرعت ليبيا بعد هذه "المساهمة" التي أنقذت المصرف من الإنهيار، بالبحث عن "استثمارات "في قطاعات الكهرباء والبنية الأساسية الايطالية ومنها شركة الطاقة اينل وشركة البناء ايمبريليو" وذلك حسب تصريحات أدلى بها عبد الحافظ زليطني رئيس مجلس إدارة هيئة الاستثمار الليبية، الذي أشار الى ان قطاع الاتصالات الليبي كأحد القطاعات التي قد تشارك فيها شركة تليكوم ايطاليا. وفي 13 أيار-مايو الماضي اعلنت مؤسسة الاستثمار الليبية انها تتجه لشراء حصة اقلية في شركة إينل الإيطالية للطاقة في ظل خطة الشركة لزيادة رأس المال.وقال الرئيس التنفيذي للشركة فلوفيو كونتي في مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال" إن المؤسسة الليبية للاستثمار تتجه يشتري أسهم الشركة من خلال السوق المفتوح أو عن طريق الاكتتاب في اصدار لزيادة رأس مال الشركة تبلغ قيمته ثمانية مليارات يورو (10.9 مليار دولار) وتستهدف إينل من خلاله تخفيض ديونها.وأخبر السفير الليبي لدى إيطاليا حافظ قدور الصحيفة أن كونتي سافر إلى ليبيا قبل أسبوع لتقديم عرض إلى رئيس الصندوق.وكانت ليبيا اجرت العام الماضي محادثات مع تليكوم ايطاليا لكنها انهارت وسط مخاوف بشأن السعر ومستويات الدين. وقد تبدو تلك "الاستثمارات" مربحة عندما ترتفع الأسهم، لتخسر عندما تنخفض، إلا ان المشكلة تكمن في القيمة الحقيقية للأصول التي يتم استثمار الأموال فيها، وليس قيمة السهم. وفي حال عجزت هذه الشركات عن تسديد الديون فانها تشهر أفلاسها كما حدث مع 73 بنك في الولايات المتحدة ومنها "ليمان براذرز" الذي خسرت فيه ليبيا استثمارات تقدر بـ120 مليون دولار.لم تكشف ليبيا عن حجم خسائرها في الولايات المتحدة وظلت تزعم ان الأموال ما تزال "في الحفظ والصون"، إلا ان التقديرات تشير الى ضياع ما لا يقل عن 5 مليارات دولار، تبددت في خضم انهيار النظام المصرفي وتراجع قيمة الأسهم في الولايات المتحدة وحدها.وتنتج ليبيا 1.8 مليون برميل من النفط يوميا، لتحقق لها عائدات صافية تتراوح بين 70 و100 مليون دولار يوميا. وذلك مع الأخذ بعين الاعتبار بعض "حصص الشراكة" مع الشركات النفطية الاجنبية. وتنتج ليبيا حالياً 3.5 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، وتبيعه بأسعار تفضيلية ومتفاوتة، ولكن غير معلنة باستمرار، الأمر الذي يحول دون العثور على تقديرات مقبولة. ويقال أن مجموع الاستثمارات الليبية في الخارج تبلغ 50 مليار دولار إلا أن هذا الرقم بعيد كليا عن الحقيقة. فقد ظلت ليبيا على مدى أكثر من عشر سنوات قضتها تحت الحصار وهي تصدر النفط وتتلقى الاموال من دون ان تستثمر أي شيء من عائداتها محليا. وبحجة الحصار ظلت البنية التحتية في البلاد تتداعى، بينما تتكدس الأموال. وخلال هذه السنوات جنت ليبيا ما يتراوح بين 300 و400 مليار دولار. لا أحد يعلم الآن أين ذهبت. ولكن يعتقد ان قسما منها تم تبديده في إما في مشاريع وهمية، أو في شراء أسهم وعقارات متفرقة، فضلا عن الهبات الحكومية التي تقدمها ليبيا للحكومات الصديقة في أفريقيا خاصة. إلا أن قسما آخر ما يزال غير معلوم المكان. ويتداول الليبيون إشاعات متضاربة بشأنها، ومنها انها مدفونة في أماكن متفرقة في الصحراء أو في منشآت عسكرية، من دون أن يعلم حراسها ماذا تحتوي خزائنها.

المعلن والمتضارب في الاستثمارات الليبيةكم تستثمر ليبيا من الأموال في الخارج؟في الحقيقة لا أحد يعرف. كما ان مؤسسة الاستثمار لم تقدم كشوفات لا بالأصول ولا بحجم الاستثمارات لما يسمى "سلطة الشعب". فالشعب الليبي يمارس "سلطته" من دون أن يعرف كم لديه من الأموال، وأين ومن هو الذي يحركها، وكيف تنتقل من مكان الى آخر، ولماذا، وما هي المعايير المحاسبية المتبعة في إدارتها، وكم تخسر او تربح كل عام.كل هذه العناصر هي من الأسرار. وسوى القليل من التصريحات المتفرقة بشأن بضعة مليارات هنا، وغيرها هناك، فلا توجد في الواقع دفاتر حسابات، كما لا تقدم هذه الدفاتر الى أي جهة رقابية.والأرقام تعلن ولكن لا يقال أيضا من أي حساب جاءت. وكان صندوق الاستثمار الليبي الأفريقي كشف مؤخرا أن الحكومة الليبية خصصت ثمانية مليارات دولار للاستثمار في أفريقيا.وأوضح رئيس مجلس إدارة الصندوق بشير صالح أن الاستثمارات المزمعة توزّع على نحو أربعين دولة أفريقية. وأضاف أن الاستثمارات ستتركز في القطاعات التي تنشط فيها ليبيا عبر القارة مثل المصارف والفنادق والطاقة والتعدين.واعتبر صالح -وهو أيضا مدير مكتب الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي- أن هذه الاستثمارات ستعزز الأمل في قيام ولايات متحدة في أفريقيا.ويمتلك صندوق الاستثمار الليبي الأفريقي شركة الخطوط الجوية الأفريقية الليبية.ووقعت ليبيا منذ أشهر سلسلة اتفاقات مع مصر لتنفيذ مشاريع وتمويل استثمارات. وأكد أحمد قذاف الدم منسق العلاقات الليبية المصرية، في 16 أيار-مايو الماضي أن حجم الإستثمارات الليبية فى مصر، سوف تصل بنهاية هذا العام إلى 10 مليار دولار. وقال أن الفترة القادمة سوف تشهد نموا كبيرا للاستثمار الليبي في مصر "خصوصا بعد أن تعرضت الإستثمارات الليبية للخطر فى بنوك الدول الأجنبية فى ظل الأزمة الإقتصادية العالمية"، (وهو أمر ظلت تنفيه مؤسسة الاستثمار الليبية). واكد قذاف الدم على إن الإستثمارات في مصر لم تتعرض لأية مخاطر وهي آمنة وتعطىي عائدا متميزا ومجزيا. وقال قذاف الدم إن اللجنة العليا المشتركة المصرية الليبية تدرس حاليا تنفيذ عدد من المشروعات المشتركة في مجالات الزراعة والسياحة والصناعة تنفيذا لتوجيهات القيادة السياسية فى البلدين.ولئن لم يُشاهد قذاف الدم يتجول في طبرق او هون او بنغازي لافتتاح مشاريع ليبية، إلا انه شوهد في الفيوم برفقة مصطفى سعيد محافظ الفيوم في إفتتاح محطة رفع مياه ري جديدة بمنطقة الطاحون لخدمة 3500 فدان بزمام قرى منشأة طنطاوى ومنشأة سنورس الأصفر وكوم أوشيم بالفيوم، وهي قرى لم يسمع بها الكثير من الليبيين بعد. وتكلفت المحطة 8 ملايين جنيه أسهم الجانب الليبى فيها بمبلغ 6ر4 مليون جنيه والجانب المصري بمبلغ 4ر3 مليون جنيه.وتنوي مؤسسة الاستثمار الليبية إنشاء مشروع للتنمية السياحية على الساحل الشمالى لبحيرة قارون على مساحة 2700 فدان ويتضمن إقامة 8000 وحدة فندقية ويتيح 30 ألف فرصه عمل وقد تم إنشاء لجنة وزارية برئاسة الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء لمتابعة تنفيذها. قال محافظ الفيوم إن فرص الإستثمار تتضمن كذلك مشروع إستخلاص الأملاح التبخرية من بحيرة قارون والذى يقام على مساحة 6000 فدان شمال بحيرة قارون وتزيد تكاليفه على 5 مليار جنيه، والعديد من المشروعات فى مجال السياحة البيئية والتنمية الزراعية والتنمية الصناعية .ويبدو ان ليبيا لا تحتاج مشاريع كهذه. وعلى الرغم من القول ان هناك مشاريع للتطوير السياحي سيتم انشاؤها في ليبيا إلا أن الأموال الليبية تذهب الى أماكن أخرى تبدو أكثر "اهلية" في أعين الذين ينفقون المال.وبدلا من تطوير حقول زراعية في السودان أو المغرب او سوريا او مصر، فقد ذهبت ليبيا لتنفق الأموال على تطوير زراعة القمح في أوكرانيا. ووقعت اتفاقا معها لزراعة مئة الف هكتار (نحو 300 ألف فدان) بالقمح وتصديره لليبيا. ولكي تضمن ليبيا جعل الاتفاق خسارة صافية، فقد وقع الطرفان أيضا على اتفاقات بشأن التعاون العسكري والتعاون النووي للأغراض السلمية. وقال البغدادي علي المحمودي امين اللجنة الشعبية العامة (رئيس الحكومة) إن الاتفاق يشمل اقامة مصفاة نفط والاستثمار في عدة مشروعات زراعية أخرى.واعلنت ليبيا في 16 حزيران-يونيو الجاري انها بدأت تخطط لاطلاق مشروع ضخم لتحديث عدد من مدنها الكبرى.وعلى الرغم من ان ليبيا لم تفتقر الى الاموال خلال سنوات "الحصار"، إلا ان البنية الاساسية في ليبيا تدهورت الى درجة جعلت منها خرابا حقيقيا بسبب الاهمال. ومن الجدير بالذكر ان العقوبات التي كانت قد اقتصرت على مجالات محدودة كانت قد رفعت عام 2003، وانتهت كليا عندما استعادت ليبيا علاقاتها مع الولايات المتحدة عام 2004، إلا أن المؤسسات الحكومية الليبية ما تزال الى يومنا هذا تتذرع بسنوات "الحصار" و"العقوبات"، ولا كأنها انتهت منذ 5 سنوات. وقال البغدادي علي المحمودي أمين اللجنة الشعبية العامة (رئيس الوزراء) "خلال المدة القريبة الماضية تم إشهار صندوق بقيمة 20 مليار دينار. هذا الصندوق مهمته منح القروض والتسهيلات للمستثمرين وخاصة في مجال العقار ومواد البناء. وعليه هناك انطلاقة فاعلة للبدء في جملة من البرامج خلال الأيام القادمة".ووقعت ليبيا عددا كبيرا من العقود مع شركات اجنبية لبناء وحدات سكنية وجسور ومنشآت رياضية وابراج وطرق ومطارات في العاصمة طرابلس وبني غازي اكبر مدينتين في الجماهيرية.ولكن من المشكوك فيه تماما ان يتم تنفيذ هذه المشاريع بالفعل. وإذا تم الشروع ببعضها فمن المشكوك فيه استكمالها، خاصة وان التقليد السائد في ليبيا يقوم على قاعدة توريط المستثمرين بالوعود وعدم الاكتراث بتنفيذ الالتزامات.ويقول رئيس شركة ليبيا أويل أن قيمة المشروعات الليبية الحالية في مصر الجديدة تقدر بحوالي 6 مليارات دولار، حيث تشمل إقامة معمل تكرير من الجيل الثالث بطاقة 250 لألف برميل يوميا لإنتاج المنتجات البترولية عالية الجودة.وقال الرئيس أن الشركة تعمل على مستوى القارة الإفريقية ولها استثمارات في أكثر من 24 دولة افريقية وتمتلك 1500 محطة تموين سيارات في إفريقيا ولها مصانع للزيوت والإسفلت. ويقول مراقبون ليبيون انه بالإضافة إلى حوالي 8 مليار دولار يتم هدرها عن طريق ما يسمي بمحفظة ليبيا إفريقيا للاستثمار، فهناك مبالغ اخرى يجري تبديها من دون تدقيق، ومنها تلك التي ساهمت بها ليبيا في عدد من المؤسسات الأفريقية المنهارة وفي مقدمتها قرض بحوالي 3 مليار دولار اقرض لمصرف الساحل والصحراء لغرض تحسين لبنية التحتية في الدول الإفريقية بينما لا تنفق الحكومة الليبية الأموال على البنية التحتية في ليبيا نفسها. والسبب.. هو "الحصار" الذي رُفع قبل خمسة أعوام!وفي 5 شباط-فبراير الماضي أعرب أمين اللجنة الشعبية للاتصال الخارجي الليبي عبد الرحمن شلقم عن الأمل في أن تتطور الاستثمارات الليبية في إيطاليا لتصل إلى عشرة مليارات دولار.وهو ما كان يعني تزويد الشركات الايطالية بالمال لكي تعود وتحوله الى استثمارات في ليبيا، فتكسب المجد من اطرافه!
إرث التبديد والفساد والأوهام
الاموال الليبية ما تزال متاحة في الخارج، ولكن لحساب الخارج، ولخدمة مصالحه بالدرجة الأولى. فمن بين العشرات من المليارات التي تم "استثمارها" في الخارج لم ير الليبيون عائدا ملموسا منها. ولا سُمح لهم أصلا بتدقيق الحسابات.ففي الوقت الذي اعلن فيه عن انهيار عدة بنوك اميركية تضم ودائع ليبية، قال بيان رسمي ليبي في الأول من تشرين الاول-اكتوبر الماضي أن الإجتماع الذى ترأسه أمين اللجنة الشعبية العامة الليبية د. البغدادي المحمودي رئيس اللجنة الإقتصادية العليا بحضور أمين المالية محمد الحويج ومحافظ مصرف ليبيا المركزى فرحات قدارة ومدير عام المصرف الليبي الخارجي نجيب الجمل والمدير التنفيذى للمؤسسة الليبية للإستثمار محمد لياس وعدد من خبراء الإقتصاد والمال الليبيين "أن ليبيا لم يلحقها أي ضرر جراء الأزمة المالية العالمية وذلك بفضل حكمة القائد معمر القذافي".وقالت اللجنة ان حوالي 80 في المائة من الإستثمارات الليبية هي عبارة عن سيولة في الودائع التي لم تتضرر حتى اليوم بما حدث في السوق العالمي في حين أن 20 في المائة من هذه الإستثمارات هي سندات وأسهم شهدت نوعاً من الإختلاف في الأسعار على المستوى العالمي في الوقت الحالي.ويقول الكاتب الليبي المهلهل الحاسي ان ارتباط الاستثمارات الليبية في الخارج بالأزمة العالمية امر مفروغ منه، "فمن الثابت أولاً أن الإقتصاد العالمي أصبح قرية واحدة وتشابكت خيوطه بحيث غدا ما يحدث في واشنطن إقتصادياً بالضرورة المنطقية سيمس سلباً كان أم إيجاباً بقية أزقة القرية ووفقاً لهذا الترابط فإن القنوات التي تتسربت عبرها تداعيات الأزمة العالمية نحو الإقتصاد الليبي بالضرورة ستؤثر بالغ الأثر في قطاعات النفط والغاز والبيتروكيمياويات بالإضافة إلى الإستثمارات المالية الليبية الخارجية التي لم تكن ولن تكون بمنأى عن دائرة الخطر لسبب واضح وهو أن كل الإستثمارات المالية الدولية هي مستثمرة في صناديق تصنف بأنها صناديق عالية المخاطر".ويضيف "الايام ستثبت بأن الأموال الليبية المستثمرة في صناديق ومحافظ دولية هى في دائرة الخطر هذا، برغم أمانيي الصادقة بأن لا تكون كذلك، غير أن غياب الشفافية في إستثمار الأموال الليبية من لدن هيئة الإستثمار الوطنية يعزز تلك الفرضية". ويقول الكاتب الليبي عبد المنصف البوري "منذ عقود وليس فقط منذ سنوات والمواطن الليبي يسمع عن أرقام فلكية تخص ثروات ليبيا، وهي تتطاير من حوله في كل اتجاه، في شكل استثمارات ليبية خارجية، دون أن يعرف عنها شيء، أو يستطيع أن يفعل بشأنها شيء".ويضيف "استثمارات ليبية خارجية لا يدري الشعب الليبي عن مقدارها وحجمها، ولا من الذي يقرر بشأنها، ولا يعرف حتى من يتولى إداراتها أو يراقب عائداتها".ويسرد البوري قصة بدايات الاستثمارات الليبية في الخارج بذكر الشواهد التالية: "في عام 1972 أسست ليبيا المصرف العربي الخارجي، والمملوك بالكامل لمصرف ليبيا المركزي ليتولى جميع العلميات المالية والاستثمارية خارج البلاد. وبلغت الأرصدة المالية لمصرف ليبيا المركزي، والمصارف الليبية التجارية في الخارج في عام 1973 مبلغا وقدره (2.4 مليار) دولار، وفي عام 1982 ارتفع هذا الرصيد إلى (22.2) مليار دولار. وفي عام 1977 تعرضت شركة (فيات) الإيطالية للسيارات إلى ظروف مالية صعبة، مما دفع بها إلى عرض جزء من أسهمها للبيع في الأسواق المالية العالمية ، فكانت فرصة سانحة أمام "النظام" الليبي لشراء نحو 15% من أسهم شركة "الفيات"، ولم تمضى سوى سنوات قليلة حتى ارتفعت قيمة أسهم شركة الفيات الإيطالية، غير أن الضغوط التي مورست على الشركة فيما بعد قد أجبرت ليبيا على بيع حصة هذه الأسهم في عام 1986. وبعد إنشاء الشركة الليبية للاستثمار الخارجي (لافيكو- Lafico) تم وضع خطة للاستثمار في المجالات الصناعية خارج ليبيا، وجرى ضخ مبالغ مالية هائلة من أموال النفط الليبي في هذا المجال، ومنذ البداية كان واضحاً وجود الكثير من الأخطاء والتعثر والفوضى التي استمرت إلى يومنا هذا. وفي عام 1983 اشترك المصرف العربي الليبي الخارجي، مع مجموعة مصارف أخرى في توفير قرض لشركة (شركة تام اويل ايطاليا - Tamoil Italia)، التي كان يملكها (روجيه تمرز)، وهو من مواليد مصر ومقيم في لبنان. كان هدف القرض المقدم من ليبيا هو شراء ممتلكــات شركة (أماكو) الإيطالية لتكرير وتسويق النفط. وكان من المعروف عن السيد تمرز أنه على علاقة وطيدة مع عدد من رجال الأعمال والمصرفيين الكبار والسياسيين في العالم العربي، فضلا عن علاقته بالمسؤولين وأصحاب النفوذ على أعلى مستوى في كثير من الدول العربية. في عام 1985 بلغت حصة المصرف الليبي العربي الخارجي في شركة (تام اويل 70%). وفي عام 1988 أسست الشركة العالمية للاستثمارات النفطية تحت أسم (انترناشيول اويل انفيست – (international oil invest وهي شركة قابضة مملوكة بالكامل "للنظام" الليبي، ومسجلة في جزر الكاريبي الهولندية ومقرها في موناكو، ومن مهام هذه الشركة القيام بالإشراف على جميع الاستثمارات الليبية في مجال النفط والغاز، والبتروكيماويات، والطاقة في الخارج. وبدأت شركة (انترناشيول اويل انفيست) في العمل من خلال عدد من الشركات التابعة لها بقصد الحصول على أغلبية الحصص في مجموعة من المصافي، وشبكات توزيع الوقود، ومنتجات النفط والبتروكيماويات الأوربية. واستطاعت هذه الشركة على مدى نحو 13 عام من تكوين محفظة معتبرة لا يستهان بها من هذه الاستثمارات ، فعلى سبيل المثال وليس الحصر: في إيطاليا زادت شركة (انترناشيول اويل انفيست) من حصتها في أسهم (تام اويل الإيطالية) إلى 85% وذلك في عام 1989 ، ثم إلى 100% في عام 1991.وفي ألمانيا اشترت شركة (انترناشيول اويل انفيست)، ما قيمته 30% من حصص مصفاة (هالبورن Hal born) في مدينة (هامبورج – Hamburg) بمبلغ وقدره 45 مليون دولار من شركة (كوستال الأمريكية American Costal)، وبعد سنتين زادت حصتها من أسهم هذه المصفاة لتصل الي 67%، وتم تغيير اسمها الى شركة (هليبورن للاستثمار Halborn Investment).هذه المصفاة كانت في حالة سيئة للغاية، مما اضطر شركة (انترناشيول اويل انفيست) الليبية الى ضخ مبالغ مالية كبيرة من أجل الصيانة والتحديث. وفي عام 1991 امتلكت شركة (انترناشيول اويل انفيست) كامل الحصص ومقدارها 100% من شركة توزيع الوقود في ألمانيا والتي عرفت باسم (هالبورن يوربين ماركتينج –Halborn European Marketing).وفي سويسرا اشترت شركة (انترناشيول اويل انفيست) في عام 1991 شركة مفلسة اسمها (غات اويل ) لصاحبها خليل الغطاس وتم تغيير اسمها إلى (تام اويل سويسرا)، ومرة أخرى اضطرت شركة (انترناشيول اويل انفيست) الليبية إلى إنفاق مبالغ مالية كبيرة أولا لتسديد ديون السيد الغطاس، وثانيا لتحديث محطات الشركة الشبه متهالكة. واستثمارات شركة (انترناشيول اويل انفيست) الليبية امتدت الى دول أخرى شملت كل من مالطا، واسبانيا، وفرنسا، والمجر، وسلوفاكيا، وجمهورية تشيك، وصربيا، واليونان.وفي عام 1992 اشترت الشركة الليبية (انترناشيول اويل انفيست) ما قيمته 80 % من حصص شركة (ستام اويل) المصرية. وفي أفريقيا أمتد نشاط "تام اويل" لكي يشمل عدة دول أفريقية.وفي جمهورية أفريقيا الوسطى وقعت شركة "تام اويل" عقدا مع الحكومة في ايلول- سبتمبر 2002 مدته 99 عام للتنقيب عن النفط واليورانيوم والمعادن الأخرى.وفي غانا وقعت اتفاقا مع الحكومة عام 2002، لمد غانا بنحو عشرة ألاف برميل نفط يوميا، بالإضافة 24 ألف برميل نفط يوميا يتم تكريرها بالمصفاة الغانية المعروفة باسم TEMA.وفي زيمبابوي اشترت شركة "تام أويل" في حزيران-يونيو عام 2003 أنبوب نفط ومنشآت تخزين.وفي النيجر عقدت شركة "تام أويل" صفقة مع الشركة الأمريكية “Exxon Mobile” حيث باعت بموجبه الشركة الأمريكية شبكة توزيع الوقود التابعة لها في النيجر ، بما في ذلك الشبكة التي تقوم بتزويد مطاري النيجر بوقود الطيارات.وفي اريتريا اشترت شركة "تام أويل" محطات توزيع الوقود من شركة (شيل – رويال دتش) مما جعلها تسيطر على 50% من محطات الوقود في اريتريا.ويقول البوري ان "جميع هذه الشركات والمؤسسات الاستثمارية قامت منذ تأسيسها، على إدارات غير كفوءة، بل ومشبوهة، وظلت تدار بناء على أساليب وخطط غير علمية، وغير تجارية، خالية من التخطيط الاقتصادي والاستثماري، مما جعل هذه الشركات تقع فريسة سهلة في أيدي الفاسدين، فأصبحت مجالا خصبا للرشاوى، والتلاعب، والعمولات الضخمة، والسرقات التي تتم على أعلى مستويات الإدارة فيها".ويضيف "لقد تضاعف الفساد المتعلق باستثمارات أموال النفط الليبي المنهوبة من الشعب، عندما تحولت إدارات هذه الشركات والمؤسسات إلى عصابات "مافيا" وتكتلات مصلحية همها الأول والأخير غسيل أموال النفط الليبي المسلوبة، وتقاسمها بين المنتفعين، والاستيلاء على أصول تلك الشركات وممتلكاتها".في الثامن من شباط- فبراير 2006 وعندما كان شكري غانم ما يزال في منصبه كأمين اللجنة الشعبية العامة انتقد علانية وللمرة الأولى توجيه الاستثمارات الليبية إلى أفريقيا.واستغرب غانم في ندوة عقدت في ذلك الوقت بعنوان بعنوان "الاستثمارات الليبية في أفريقيا.. تقييم التجربة واستشراف المستقبل" انه فيما نتجه إلي دعوة رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار في ليبيا ونقدم لها التسهيلات اللازمة فإننا نتجه بأموالنا للاستثمار بها في أفريقيا.. مؤكدا على ضرورة أن يكون الاستثمار الليبي في أفريقيا ذو عائد ونفع على الاقتصاد الليبي. واستطرد أنه فيما نتجه لبناء الفنادق والمصانع وتأسيس الشركات في أفريقيا فان ليبيا أيضا في أمس الحاجة لمثل هذه المشاريع.هذا الكلام كلف غانم منصبه، عندما كان المعلن من الاستثمارات الليبية يبلغ فقط نصف مليار دولار.اليوم "تستثمر" ليبيا حسب المعلن، 50 مليار دولار في الأسواق الدولية و10 مليار دولار في مصر و10 مليار دولار في إيطاليا لتمويل قيام الشركات الايطالية بالاستيلاء على نصف عائدات النفط الليبي، و8 مليارات في افريقيا، و5 مليارات ضاعت في الولايات المتحدة، ومليارات هنا، واخرى للاستثمار السياحي هناك، بينما تتفسخ البنية التحتية في ليبيا، وبينما يتلظى الليبيون حرقة بغلاء المعيشة، والبطالة والفقر وذلك حتى بلغ الأمر بهم الى حد انتشار مرض الطاعون في طبرق (وحدها على الأقل).مئات المليارات تم هدرها، والكثير منها ما يزال خارج "سلطة الشعب" المخدوع الذي لا يعرف كم يملك من الأموال وأين توجد ومن هو المسؤول عن هدرها وتبديدها. "المتوسط" – لندنhttp://www.mutawassit.com/

No comments: